من جل الأحزاب الإيطالية بما فيها جزء من الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه رانزي و ذلك بسبب الحد من صلاحيات مجلس الشيوخ وتغيير حجمه وهيكلته من جهة وكذلك لعدم توفق رانزي إلى تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي منذ أن أصبح رئيسا للحكومة من جهة أخرى.
يهدف الإستفتاء الدستوري المبرمج إلى القطع مع النظام الحالي الذي يعتمد على غرفتين لها نسبيا نفس الحقوق في إبطال القوانين و في إسقاط الحكومة. وهو الوضع الذي عاشت عليه الديمقراطية الإيطالية منذ 70 سنة و الذي اتسم بعدم الإستقرار الحكومي وبصعوبة بلورة سياسات على المستوى المتوسط و البعيد. لأن الحكومات المتعاقبة عاشت ولا تزال تحت هيمنة البرلمانيين والأحزاب الذين يمكن لهم الإطاحة بها في أي وقت. وهو ما جعل رئيس الحكومة الحالي يقدم على إصلاح جوهري تعتبره الطبقة السياسية الإيطالية أهم إصلاح سياسي منذ الحرب العالمية الثانية.
المس بمصالح الأحزاب والبرلمانيين
يشتمل نص الاستفتاء على مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى إعادة هيكلته و تغيير مشمولاته الدستورية. أول إجراء هو الحد من صلاحيات مجلس الشيوخ بحيث لا يمكن له الإطاحة بالحكومة و الثاني يتعلق بحجمه إذ سوف يفتح لمائة عضو عوضا عن 315 حاليا. وسوف يتم انتخاب أعضائه بطريقة غير مباشرة من قبل المجالس الجهوية التي تحظى باستقلالية مالية وتسهر على تمويل المجلس الجديد. وهو ما يمكن الحكومة من ادخار 500 مليون يورو سنويا.
البند الآخر يتعلق بحذف المكافآت المالية للنواب و تحويلها للمجالس الجهوية. هذا ما أغضب النواب و الأحزاب التي تستغل هذه المبالغ لخدمة مشاريعها الحزبية علما بأن نسبة من المداخيل يحولها النواب تقليديا إلى خزينة الأحزاب. ذلك ما يفسر رفض الأحزاب هذا المشروع الطموح الذي يحد من صلاحيات المجلس في حين يغير جذريا المشهد السياسي الإيطالي ليعطيه استقرارا يمكن من تغيير الأوضاع على المستوى البعيد.
رئاسة الحكومة في الميزان
يعتبر المحللون و الخبراء في إيطاليا أن هذا الاستفتاء مجازفة كبرى من ماتيو رانزي الذي يمكن أن يخسر رهانه بالحصول على دعم الناخبين. كان منذ أشهر قد صرح أنه في صورة عدم فوزه سوف يستقيل من منصبه، قبل أن يتراجع عن ذلك بعد الانتخابات البلدية التي خسرها حزبه في جوان 2016. لكن تراجعه عن وعده خلف خيبة أمل لدى الرأي العام الإيطالي مما جعل معارضي المشروع يسجلون في سبر الآراء الأخير تقدما طفيفا على المساندين له.
إيطاليا بلاد الاستفتاءات التي هي حق دستوري تلجأ له الحكومة و المنظمات السياسية و الأهلية. لكن الطريف في التقاليد الإيطالية أن الناخبين قل ما يجيبون على سؤال الاستفتاء بلا أو بنعم. فتصويتهم يكتسي في غالب الأحيان صورة الاستفتاء على أداء الحاكم بقطع النظر عن السؤال المطروح. زد على ذلك أن فريق ماتيو رانزي، الذي عانى من انشقاق في حزبه و من معارضة شرسة من حزب 5 نجوم الذي يقوده الكوميدي بيبي غريلو، لم يفسر بوضوح أهمية هذا الاستفتاء حتى يتمكن الشعب من فهمه ومساندته. لذلك أصبح كرسي رانزي في الميزان.
مخاطر على إيطاليا وأوروبا
الظرف الذي جاء فيه الاستفتاء لا يخدم حكومة ماتيو رانزي لأن وضع البنوك الإيطالية لا يزال هشا. فهي تشكو من تدهور قيمتها في الأسواق إذ خسرت في أسواق لندن ونيويورك نصف تقييمها منذ بداية هذا العام. ولها»قروض مشبوهة» بقيمة 360 مليار يورو يعتقد الخبراء أن نصفها قد خسرته البنوك. وفي صورة فشل رانزي يمكن أن يفضي ذلك إلى إفلاس بنك مونتي باستي ، أقدم مؤسسة مالية في العالم، التي أشهرت إمكانية إفلاسها إن لم تعد هيكلتها هذا الشهر. و تخشى الأسواق المالية، بالرغم من مساندة البنك المركزي الأوروبي للبنك الإيطالي، أن تدخل إيطاليا في تقلبات سياسية و اضطرابات مالية تحول دون إنقاذ البنك. وهو ما يشكل خطرا على النظام المالي الإيطالي و استقرار الأسواق الأوروبية و منطقة اليورو.
من ناحية أخرى، فشل رانزي و استقالته تفتح الباب واسعا أمام حزب 5 نجزم لبيبي غريلو الذي سوف يحصد منافع الفوز في الاستفتاء. و ما يهدد النظام الإيطالي الحالي و النظام الأوروبي ككل هو أن بيبي غريلو من أنصار خروج إيطاليا من اليورو. و يعتقد المراقبون الماليون أن فوز حزب 5 نجوم الصاعد في كل عمليات سبر الآراء، و الذي تمكن من الفوز بعدة بلديات كبيرة منها العاصمة روما، يشكل خطرا على الإتحاد الأوروبي.
صحفيتا فينانشل تايمز و وول ستريت جورنال، أهم الصحف التي تعبر عن أفكار المؤسسات المالية العالمية أوضحتا أن إيطاليا دخلت في عاصفة يمكن أن تنتقل إلى كل القارة الأوروبية. بالنسبة لفاينانشل تايمز «يوم 5 ديسمبر يمكن لأوروبا أن تستفيق على خطر الانحلال في آجال قصيرة». أما وول ستريت جورنال فكتب «فوز «اللا» سوف يؤثر على المناخ السياسي في عام 2017 في كل القارة الأوروبية. الانتخابات في إيطاليا أهم من البريكسيت» الذي أخرج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي خاصة أن فرنسا و ألمانيا سوف تدخلان في انتخابات تشريعية و رئاسية في السنة القادمة. خسارة ماتيو رانزي رهانه ترجع إيطاليا، التي شهدت 67 حكومة في 70 سنة ، إلى سالف تقاليدها السياسية مع إمكانية الزج بالبلاد هذه المرة في متاهات لا يمكن لأحد أن يتنبأ بمضاعفاتها.