كاملة لخوض معركة الإنتخابات الرئاسية القادمة بدون منازع يشتت الأصوات اليمينية بعد أن تأكد أن اليسار أصبح بلا رجعة في حالة تشتت غير مسبوقة.
هذه الشرعية اكتسبها فيون بإزاحته الرئيس السابق نيكولا ساركوزي والوزير الأول الأسبق ألان جوبي الذي قدمته مؤسسات سبر الآراء منذ ستة أشهر بدون انقطاع كخليفة ساركوزي في السباق على قصر الإيليزي.
من ناحية أخرى، بحصوله على ثلثي أصوات الناخبين يصبح بدون منازع في اليمين و لو أن بعض الشخصيات في حزبه سبقت و أن أعلنت نيتها الترشح مباشرة للرئاسية دون خوض الدورة التمهيدية. لكن نتيجة رئيس الحزب السابق جون فرنسوا كوبي الذي حصل على «صفر فاصل» سوف تكون عائقا أمام المرشحين الافتراضيين.
تحول في العقليات
في نفس الوقت الذي بدأت فيه عملية الترشح والتحضير للدورة التمهيدية لأحزاب اليمين والوسط شهدت الساحة السياسية الفرنسية تقلبات نوعية أثرت في تحول عقلية الناخب اليميني من النزعة المحافظة إلى التوجه الراديكالي. وشهدت شوارع فرنسا ذلك مع اعتماد اليسار الحاكم مبدأ «الزواج للجميع» الذي يعطي المثليين جنسيا حق الزواج ويعطيهم حق تبني الأطفال. وهو ما أغضب اليمين المحافظ المسيحي النزعة الذي تظاهر بكثافة ضد القانون الجديد في عدة مناسبات. وكانت الهجمات الإرهابية لعام 2015 وتلك التي جدت هذه السنة في مدينة نيس وذبح الأب همل في كنيسته وأمام أنظار المصلين بمثابة القطرة الأخيرة التي أفاضت كأس الغضب.
أصبح المواطن الفرنسي المسيحي ،وكذلك اليهودي، يشعر بأنه مهدد في كيانه من قبل «الزحف السلفي» الإسلامي الذي أشارت إليه كل وسائل الإعلام والذي يشاهده المار في شوارع فرنسا. هذا المعطى المجتمعي ساهم ، مع تدهور الطاقة الشرائية وتفاقم البطالة والشعور الدفين بعدم قدرة السياسيين على حفظ أمنهم، في تغيير العقليات المحافظة التي أصبحت أكثر راديكالية من قبل ، مطالبة بالأمن والرفاهة والمحافظة على تقاليدها.
مشروع فرنسوا فيون
أصبح من البديهي اعتبار أن برنامج فرنسوا فيون تم نسجه بالأخذ بعين الاعتبار هذه التحولات الجذرية التي تهز المجتمع الفرنسي. وكان للوزير الأول الأسبق، وهو الذي قاد سياسة فرنسا في عهد ساركوزي لمدة 5 سنوات، أن يبلور برنامجا جديدا لا يعيد فيه نفس التوجهات ، كما فعل الرئيس السابق المهزوم، يفرض اختلافا نوعيا مع المتسابقين الستة في الدورة التمهيدية. اختيار تقديم «برنامج راديكالي»، حسب عبارة فرنسوا فيون، يجيب على تساؤلات الناخب اليميني كان أحسن رد على ما كان ينتظره الناخبون.
للتناغم مع الناخبين، ركز فيون على القيم و المبادئ المحافظة ، على قيم العائلة والعمل والنمو. وهو في ذلك قدم للناخبين أجوبة لغضبهم من السياسات القديمة ولخوفهم من الإرهاب والبطالة. وأعطاهم أملا في إعادة حركة النمو باعتماد إصلاحات جوهرية تغير جذريا «الأنموذج الفرنسي» القائم على تأمين التعليم والصحة والشغل بكل التكاليف. وهو ما يفسر الالتفاف المفاجئ حول شخص فرنسوا فيون الذي، بالرغم من قدمه في السياسة وفي خدمة الدولة، بان لهم كالرجل «الجديد» القادر على تغيير الأوضاع وإعادة فرنسا الى تاريخها المجيد.
تحديات المرحلة الجديدة
نجاح فرنسوا فيون في الانتخابات التمهيدية لن يكفي ليصبح رئيسا للجمهورية. عقبات هامة لا تزال أمامه أولها إعادة لحمة حزبه و ترتيبه لصالحه. وذلك يحتم التوصل إلى اتفاق مع شق ألان جوبي،وهو اليمين المحافظ «الإنساني» الذي يعتبر أن الثقافة و المجتمع الفرنسي تتكون من روافد مختلفة بما فيها المهاجرون والمسلمون. ومن ناحية ثانية عليه أن يعيد هيكلة إدارة الحزب للحد من هيمنة ساركوزي عليه. لكن كما قال رئيس البرلمان السابق برنار أكوايه فاز فيون أمام 4 ملايين من الناخبين، ولا بد أن يواجه 40 مليون ناخب للفوز بالرئاسية.
للفوز النهائي، المبرمج حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، سوف يجد فرنسوا فيون نفسه مضطرا لبلورة مشروع مغاير يأخذ بعين الاعتبار الموجة الراديكالية التي تحمله إلى الأمام و متطلبات الحصول على مساندة الغاضبين من اليمين والوسط الذين انتقلوا إلى مساندة مشروع اليمين المتطرف ومن ناحية أخرى، الناخبين المستائين من السياسة اليسارية لفرنسوا هولاند. وهو ما يفرض تنقيحات في المقترحات حتى يصبح المشروع الإصلاحي اليميني «مقبولا» لدى الفئات الشعبية العريضة التي لا ترغب في صعود اليمين المتطرف ولا في مساندة اليسار الاشتراكي لولاية ثانية.