ماكرون في ثاني زيارة دولة إلى واشنطن: دعم السياسات الأطلسية مع خفض حدة التوتر بين أمريكا وأوروبا

حل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الأربعاء 30 نوفمبر بواشنطن في ثاني زيارة دولة إلى أمريكا بعد زيارة 2018

في عهد دونالد ترامب. ويعتبر ذلك في العرف الدبلوماسي، تكريما خاصا لفرنسا الحليف التقليدي لواشنطن الذي يحظى بتقدير خاص يعود إلى جذور الثورة الأمريكية. هذه الخطوة الأمريكية تهدف إلى طي صفحة الخلافات مع فرنسا الناجمة عن أزمة الغواصات الأسترالية في ظروف برزت فيها باريس كحليف صلب في الحرب الأوكرانية وفي إعادة احياء منظمة الحلف الأطلسي بعد أن أعلن إيمانويل ماكرون عن أنها «في حالة موت سريري».
زيارة الدولة لها طقوس خاصة تجمع بين اللقاءات السياسية والمواعيد الاحتفالية مثل الزيارات التذكارية وطلقات المدفعية ومأدبة العشاء الخاصة التي تأتي هذه المرة في ظروف الاحتفال بمراسم الاحتفال بنهاية السنة وبقدوم سنة جديدة. لكن بعيدا عن بهرج اللقاء، سوف يكون للمسائل السياسية والاقتصادية والإستراتيجية مكان خاص بسبب قرارات «الحماية الاقتصادية» التي اتخذها جو بايدن لفائدة النسيج الصناعي الأمريكي.
دعم الشراكة الإستراتيجية
في المقام الأول، أعلن قصر الإليزيه عن نية الرئيس ماكرون التركيز على العلاقات المشتركة في ميادين التعاون في الفضاء. لذاك اصطحب الرئيس رائدي الفضاء توماس بسكي وصوفي أدينوت لمناقشة المسألة مع نائبة الرئيس الأمريكي كمالا هاريس. وفي برنامج الزيارة مناقشة سبل التعاون في قضايا البيئة والمناخ والبرنامج النووي المدني مع الفاعلين الأمريكيين في هذا المجال. وكان الرئيس الفرنسي قد التقى في باريس قبل الزيارة برجل الأعمال الفرنسيين للتنسيق معهم في هذه المسائل الحيوية لتنمية الاقتصاد في فرنسا وأوروبا والعمل على حماية المصالح المشتركة.
بالنسبة للجانب الأمريكي، تعتبر واشنطن أن فرنسا لعبت دورا هاما على الصعيد الأوروبي في ظروف الحرب على أوكرانيا بدعمها جهود منظمة الحلف الأطلسي وتوحيد أوروبا حول موقف مساند للإدارة الأمريكية في دعمها لكييف. وذهب الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض جون كيربي الى القول بأن واشنطن «ترحب بقدرات الرئيس ماكرون في الإبقاء على الحوار مع الرئيس بوتين» منوها ب»زعامة» و»خبرة» و»حكمة» إيمانويل ماكرون. كلمات رسمية تهدف إلى اخماد فتيل الغضب الفرنسي مع التركيز على «شراكة تتجه نحو المستقبل» لصالح الجانبين.
مسائل عالقة بدون حل قريب
تأتي زيارة الدولة في ظروف لاحت فيها إرادة الوزير الأول الأسترالي إعادة الحديث في مشروع شراء غواصات من فرنسا مجددا بعد أن قبر العقد مع باريس عام 2021 تحت ضغط أمريكي في إطار بعث تجمع «أيكوس» بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا المتعلق باستراتيجية مقاومة الصين في المحيط الهادي والذي استثنى باريس التي لها مواقع بحرية مهمة في المنطقة. إعادة مشروع الغواصات على مائدة الحوار سهل مسألة «نقاش» التبعات السلبية على أوروبا لاستراتيجية واشنطن الاقتصادية في دعم قدراتها التكنولوجية لمواجهة الصين. وعبر الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض عن قابلية واشنطن «الإصغاء» للموقف الأوروبي.
ويتمحور الخلاف بين باريس وأوروبا من جهة وواشنطن من جهة أخرى حول «قانون خفض التضخم» الذي بموجبه سوف تضخ الإدارة الأمريكية 354 مليار يورو لدعم الشركات الأمريكية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة وصناعة السيارات الكهربائية والصناعات البديلة والتحول الإيكولوجي إضافة إلى أكثر من 500 مليار يورو من القطاع الخاص. وإن رحبت بروكسل بهذه الخطوة في مقاومة الاحتباس الحراري فإن جل الدول الأعضاء عبرت عن غضبها من فرز الشركات الأوروبية من الدعم حيث أن القرار الأمريكي يركز على دعم شراء منتجات «مصنوعة في أمريكا» من قبل الأمريكيين. وهو ما يستثني منتجات الشركات الأوروبية. ويتعلق الموضوع الخلافي الثاني في سعر الغاز الصخري الأمريكي الذي يسوق في أوروبا بخمسة أضعاف سعره في الولايات المتحدة. وسوف يحاول الرئيس ماكرون الحصول على التزام أوروبي بإدماج عدد من الشركات الأوروبية في قائمة المنتفعين بالدعم.
وتواصل لجنة المفاوضة الأوروبية النقاش في المسألة مع الإدارة الأمريكية، بدون نتيجة إيجابية إلى حد هذه الساعة. وإن يهدف «قانون خفض التضخم» إلى مقاومة المد الصيني بدعم القدرات الأمريكية، وهي مسألة استراتيجية بالنسبة لواشنطن، فإن الحفاض على تماسك السياسة الأطلسية هو أيضا قضية استراتيجية بعد أن أجبرت واشنطن – بعد حرب روسيا على أوكرانيا – على الرجوع إلى أوروبا وتقديم دعم عسكري ومالي لأوكرانيا لتمكينها من مواصلة الحرب والصمود أمام الجيش الروسي في سيناريو يهدف إلى اضعاف قدرات موسكو وجعلها في النهاية تقبل بحل يرضي القوات الغربية.
وتبقى إمكانية التوصل إلى حل شامل في مسائل دعم النسيج الصناعي الأمريكي بعيدة بسبب نجاح الحزب الجمهوري في الاستيلاء على الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي المعارض لسياسات جو بايدن. ولا يرى المراقبون في واشنطن ووسائل الإعلام الأمريكية أي إمكانية في قبول الجمهوريين بالتراجع عن قانون سبق وأن اتفقوا في شأنه مع الديمقراطيين. ولن يحصل إيمانويل ماكرون من جهته على موقف موحد في صلب الإتحاد الأوروبي بسبب الانقسامات التي تشقه في نفس الموضوع. لكن مساحة تحرك الرئيس الأمريكي تبقى واسعة وهوما يريد إيمانويل ماكرون العمل من أجله بعيدا عن بريق الاحتفالات المبرمجة في إطار زيارة الدولة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115