تلعب دور الوسيط وتلتف على العقوبات الغربية: تركيا الرابح الأكبر من الأزمة الروسية الأوكرانية

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وما انجرّ عنها من تداعيات وانعكاسات دولية ، بدا لافتا حرص تركيا على دفع التقارب مع روسيا في مختلف المستويات .

وقد سعت انقرة للعب دور الوسيط في أكثر من مناسبة بين موسكو وكييف كما نجحت في التوسط لإنجاز اتفاق الحبوب مع موسكو مع التمديد له عاما آخر . وقد سمح هذا الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا لملايين الأطنان من الحبوب وغيرها من المنتجات الزراعية المحتجزة في أوكرانيا بالوصول إلى الأسواق العالمية منذ اوت الماضي .
وقد بدا جليا ان انقرة تحاول الاستثمار في الأزمة الأوكرانية لتحقيق مكاسب اقتصادية ودبلوماسية وسياسية تماما كما فعلت في عديد الملفات الساخنة في الاقليم سواء في سوريا او في ليبيا واو العراق وغيرها.
منصّة لروسيا
وصدر امس عن مركز أبحاث مستقل مقره في فنلندا تقرير أكد ان تركيا أصبحت طريقا التفافية لتصدير النفط الروسي باتجاه الاتحاد الأوروبي، مما يشكل «ثغرة» في العقوبات المفروضة على موسكو.
وجاء في تقرير لمركز «سنتر فور ريسيرتش أوف إنرجي اند كلين إير» (CREA) أن روسيا حققت 21 مليار يورو من صادرات الطاقة الأحفورية هذه في اكتوبر ، باستثناء الغاز الطبيعي المسال.
وقد تراجعت العائدات الناجمة عن الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي من جهتها بنسبة 14 % لتصل إلى 7,4 مليارات يورو وباتت دون مستويات ما قبل الغزو في فيفري الماضي.
وحذر المركز من طريق التفافية جديدة يمر عبرها النفط الروسي إلى الدول الغربية. وقال معدو التقرير الذي عرض في كوب27 «يظهر طريق جديد للنفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي عبر تركيا حيث تكرر كميات متزايدة من الخام الروسي».
وزادت تركيا وارداتها من الخام الروسي منذ غزو أوكرانيا. وزادت صادرات المواد النفطية من تركيا إلى المرافئ الأوروبية والأمريكية بنسبة 85 % في سبتمبر وأكتوبر مقارنة بفترة جويلية واوت بحسب ما جاء في التقرير.
وأكد التقرير «فيما سيحظر الاتحاد الأوروبي صادرات النفط الخام من روسيا في الخامس من ديسمبر قد تصبح هذه الثغرة كبيرة».
ورأى المركز أن من «الضروري جدا» للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن تفرض حظرا أكثر صرامة مع الاستغناء عن المنتجات النفطية الصادرة عن محطات تكرير تستخدم الخام الروسي.
قلق أوروبي
وقد أخذ التقارب التركي الروسي ودور الوسيط الذي تقوم به انقرة يثير قلق الغربيين والأوروبين بالخصوص، خاصة ان أنقرة باتت فعليا منفذاً رئيسياً لبعض رؤوس الأموال الروسية التي هربت الى تركيا من اوروبا بسبب العقوبات الغربية.
وأشارت صحيفة «فايننشال تايمز» الأمريكية مؤخرا ان الاتحاد الأوروبي أعرب عن قلقه من التقارب الروسي التركي، واشارت الصحيفة إلى أنّ مسؤولين أوروبيين حذّروا من أن «تتحول تركيا إلى منصّة تجارة لموسكو»، واصفين سلوك تركيا مع روسيا في هذا التوقيت بأنه «انتهازي للغاية».
كما يتزايد قلق واشنطن من استخدام الحكومة والشركات الروسية أنقرة للالتفاف على العقوبات والقيود المالية والتجارية الغربية المفروضة، ردّاً على العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
وقد تمثل التقارب الروسي التركي في توقيع عديد العقود على غرار عقد توريد دفعة ثانية من منظومة صواريخ «إس-400» الروسية الدفاعية، في شهر اوت الماضي، بعد تسلمها المجموعة الأولى في عام 2021، ما دفع بالكونغرس الأميركي إلى طرح مشروع قانون لفرض عقوبات على أنقرة، بسبب توريد المنظومة الروسية. اضافة الى الاتفاق بين الرئيسين التركي والروسي على أن يتم دفع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا جزئياً، وأن يتم التسديد بالروبل. وذلك في سياق احياء خط « ترك ستريم «
وكان ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الروسي قد صرح ، بأنّه «يجب أن يكون الشركاء الأوروبيون ممتنين لتركيا لتأمينها نقل الغاز الروسي من دون توقف»، مشيداً في الوقت نفسه بدور أنقرة في «المرحلة الجديدة والفرص المستجدّة».
وأعلن نوفاك أنّه من الممكن أن تصبح تركيا مركزاً لتصدير مصادر الطاقة الروسية، بما في ذلك إلى أوروبا، مشيراً إلى أن إمكانيات نقل الغاز عبرها واعدة للغاية. وفي السياق نفسه أكّد نوفاك، أهمية تركيا باعتبارها شريكاً تجارياً لبلاده وقال إنّ البلدين يتطلعان إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 100 مليار دولار سنوياً.
وقد بلغت قيمة الصادرات التركية إلى روسيا 2.04 مليار دولار، خلال الأشهر الماضية بزيادة 642 مليون دولار عما كانت عليه في تلك الأشهر نفسها من عام 2021، وفقاً لبيانات التصدير التي جمعتها وزارة التجارة ومعهد الإحصاء التركي.
ووفق ما ذكرت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، فإنّ دول الاتحاد الأوروبي ربما تطلب من بنوكها وشركاتها مغادرة تركيا في حال تنامي التقارب الاقتصادي بين أنقرة وموسكو.
ففي ظل العقوبات، تعمل تركيا بطرق التفافية من خلال احداث توازن مع حلفائها لكي لا تفسد علاقاتها الدولية. ويبدو ان التقارب الروسي التركي هو حاجة ملحة مشتركة لكلا البلدين في اطار تبادل المصالح فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية الراهنة .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115