لبنان في مهب الفراغ الرئاسي وفي سياق انهيار اقتصادي واجتماعي صعب

دخل لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي منذ انتهاء ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون . ولئن اعتاد اللبنانيون على شغور المناصب العليا خاصة في مستوى رئاسة الجمهورية

ورئاسة الحكومة خلال الأعوام الماضية الا ان الفراغ الرئاسي يبدو أكثر خطورة هذه المرة خاصة انه يتزامن مع مصاعب سياسية وانهيار اقتصادي غير مسبوق يعيشه البلد .
ويعكس التعثر في انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية من بين المرشحين الحاليين ، فشل النظام السياسي اللبناني الذي كرّس الطائفية وفرض تقسيما طائفيا ومذهبيا للمناصب العليا. ظل عائقا أمام تحول لبنان فعليا الى دولة مدنية ذات سيادة بعيدا عن التوازنات والرهانات الخارجية .
فلبنان حاليا تديره حكومة تصريف أعمال بصلاحيات ضعيفة في ظل برلمان منقسم ومشهد سياسي متأزم. وفي خضم ذلك جاءت الدعوة التي أطلقها كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي ورئيسا الوزراء السابقان فؤاد السنيورة وتمام سلام، لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية يلتزم بتطبيق وثيقة الوفاق الوطني، لتؤشر الى الوضع الدقيق الذي يعيشه البلد.
واعتبر الرؤساء أن « لبنان يمر بأوضاع دقيقة لجهة استمرار حالات التأزم الوطني والسياسي، وحالات الانهيار المؤسساتي والاقتصادي والمالي والمعيشي التي تعصف به مع استمرار الاستعصاء المزمن على الإصلاح، والمحاولات المستمرة للهيمنة على قرار الدولة اللبنانية، بما أصبح يقوض دورها وسلطتها، ويتعثر خلالها إنجاز عملية انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية».
واعتقد هؤلاء أن هذه الأوضاع الخطيرة تستدعي القيام بخطوات سريعة وجذرية للتقدم على مسارات الإنقاذ الوطني الحقيقي، أولها « وجوب أن تتضافر كل الجهود الخيرة والصادقة لدى نواب الأمة ولدى السياسيين المعنيين لإجراء الانتخابات الرئاسية لانتخاب الرئيس الجديد، القوي بحكمته وتبصره واحتضانه لجميع اللبنانيين على حد سواء». ولفتوا إلى أن الرئيس اللبناني الجديد» يفترض أن يحظى بثقة ودعم جميع اللبنانيين، ولا على ثقة فريق منهم فقط، وأن يؤْمن الرئيس العتيد ويلتزم ويسهم مع المؤسسات الدستورية في التمسك بحسن تطبيق وثيقة الوفاق الوطني والعمل الدؤوب على استكمال تطبيقها».
وشددوا على وجوب « التزام الاحترام الكامل للدستور ولقيم السيادة والجمهورية، وللنظام الديمقراطي البرلماني اللبناني، ولمبدأ فصل السلطات ولتوازنها وتعاونها، ولاستعادة الدولة لدورها ولهيبتها وسلطتها الكاملة على أراضيها ومؤسساتها ومرافقها».
ودعوا إلى « احترام استقلالية القضاء والالتزام بقواعد الشفافية والكفاءة والجدارة في إيكال المسؤوليات الحكومية والإدارية لمن هم أكفاء لها، بعيداً عن المحاصصة والزبائنية، كذلك التأكيد على مبدإ المحاسبة المؤسساتية على أساس الأداء والحرص على احترام مبادئ وقرارات الشرعيتين العربية والدولية».
واعتبروا أن « اعتماد هذه المبادئ والقواعد يشكّل الضمانة الحقيقية والوحيدة لجميع اللبنانيين أفرادا وجماعات في يومهم وغدهم». وأشاروا إلى «وجوب أن ينبثق عن ذلك حكومة جديدة، تتمتع هي ورئيسها وأعضاؤها بالرؤية والإرادة والقيادية والشجاعة والصدقية من أجل أن يستعيد اللبنانيون الثقة بدولتهم، ونظامهم الديمقراطي البرلماني ونظامهم الاقتصادي الحر، ويستعيد لبنان بالتالي ثقة الأشقاء والأصدقاء به وبمستقبله، بما يمكن البدء بوقف الانهيار واستعادة النهوض المنشود». وشدد المجتمعون «على ضرورة وقف الخطاب المعيب بكل المقاييس وحملات الكراهية التي تشن لبث الفتن والفرقة بين اللبنانيين، وعلى أهمية تحلي الجميع بالروح الوطنية العالية في هذه المرحلة المصيرية واعتبار وحدة لبنان وأبنائه وأولوية إنقاذه ومصلحة المواطنين اللبنانيين هي طريق الخلاص، والتي تسمو على كل اعتبار آخر».
فهل ستلقى رسالة الرؤساء الثلاثة -وهم من الوجوه السياسية المخضرمة في المشهد اللبناني- صدى لدى الفرقاء اللبنانيين . خاصة ان لبنان اليوم في أضعف حالاته وهو يواجه انهيارا ماليا مع أوضاع صحية مضطربة ومصاعب بالجملة لعل آخرها تفشي مرض كوليرا الذي زاد الطين بلة في بلد لم تتعافى بعد منظومته الصحية من تداعيات وباء كورونا .
وتُسجل في هذا البلد -الذي كان يلقب بسويسرا الشرق بالنظر الى الموقع الكبير الذي كان يحتله اقليميا -يوميا حالات وفاة بسبب فقدان الأدوية الأساسية وآخرها حالة الشاب عماد حمود الذي كان يعمل ممرضا في مستشفى القلب في طرابلس شمال لبنان ويشهد رفاقه بأنه كان متفانيا في القيام بواجبه وفي التخفيف من معاناة المرضى، في الوقت الذي كان يعاني فيه بسبب مرض عضال ألمّ به ويستدعي علاجا ودواء يوميا لم تتمكن الدولة اللبنانية من توفيره بسبب الأزمة الراهنة. فاستسلم لمرضه وأوجاعه وهو في الخامسة والعشرين من عمره ورحل بصمت ملتحقا بقافلة الضحايا اليومية -من شباب وأطفال ونساء ورجال من كل الفئات والشرائح- هم ضحايا الانهيار اللبناني غير المسبوق وضحايا المعادلة اللبنانية الصعبة في ظرف اقليمي ودولي متخبط.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115