قمة شرم الشيخ حول المناخ «كوب 27»: معركة الأرقام والتمويلات الغائبة

انطلقت قمة شرم الشيخ حول المناخ (كوب 27) يوم 7 نوفمبر في أجواء متوترة عالميا جراء تواصل الحرب الروسية على أوكرانيا وامتداد جائحة كورونا

في موجتها الثامنة ومخلفاتها على الأزمة الاقتصادية والتي مست جل البلدان المصنعة. وظهرت آثار الانحباس الحراري جلية في فيضانات باكستان والتصحر في كينيا والصومال وهي تنذر بحالات مجاعة واتساع رقعة الحرائق المدمرة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وتكرر الأعاصير في مدغشقر ومنطقة البحر الكاريبي وارتفاع تاريخي لنسب الحرارة في جل دول شمال الكرة الأرضية وغيرها من مناطق الجنوب، وهو ما خلّف 15 الف ضحية في البلدان الأوروبية هذه السنة، حسب منظمة الصحة العالمية.
في هذا الإطار أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس في افتتاح القمة صيحة فزع اعتبر فيها أن «الإنسانية هي أمام خيار إما التعاون أو الموت. إما عقد تضامن مناخي أو عقد انتحار جماعي». وأشار إلى أن الإنسانية أصبحت اليوم في مفترق طرق بسبب عدم وفاء الدول الكبرى بمسؤولياتها المقررة في قمة باريس عام 2015 من حيث العمل على الحفاظ على نسبة 1،5% من ارتفاع الحرارة، وفي قمة 2009 التي أسست مبدأ تقديم مساعدات مالية للدول النامية قدرت بمائة مليار دولار سنويا ابتداء من 2020. لكن البلدان الغنية لم تقدم سوى 83،3 مليار دولار في نفس السنة. وهي آخر دفعة سجلت على أرض الواقع. وأوضحت منظمة «أوكسفام» في تقرير لها أن 70% من تلك الأموال قدمت للبلدان متوسطة الدخل بصفة قروض واستثنت الدول الفقيرة.
الأهداف المعلنة وواقع التحديات
وتحاول قرابة 200 دولة مشاركة مجددا الاتفاق حول أهداف موحدة وآليات واضحة ملزمة تجمع جل المشاركين من مسؤولين سياسيين وناشطين في المجتمع المدني ومساهمين ماليين. لكن واقع التحديات خاصة في البلدان الفقيرة والنامية لا يتماشى وإرادة البلدان المصنعة التي هي نفسها أصبحت تعاني من آثار الانحباس الحراري. فكل التقارير الواردة من اللجنة العلميّة الدولية (جياك) وهيئات الأمم المتحدة تشير إلى أنّ دول مجموعة العشرين مسؤولون على 80% من التلوث وأن البلدان الفقيرة والنامية لا تساهم إلا بنسبة 4%. وهو ما جعل من مسألة التمويلات القضية الأولى في قمة شرم الشيخ التي تتصدّر قائمة التحديات التي تواجهها الدول المشاركة. وأصبح من الواضح أنّ مقاومة الانحباس الحراري وتلوث المحيطات والبحار والمحافظة على البيئة مرتبطة بالإرادة السياسية لدعم التحول الإيكولوجي وتطوير قدرات البلدان النامية التي هي الضحية الأولى لهذه الظاهرة. وأصبح من الضروري أمام قادة العالم أن يبلوروا خطة واضحة مصحوبة بآليات مشتركة لتنفيذ القرارات. لكن المداخلات الأولى في القمة لا تزال تظهر اختلافات حقيقية في تقييم سبل علاج الأزمة المناخية.
أرقام مالية متضاربة
وقد أظهرت مواقف زعماء الدول الغنية تباينا في الالتزامات المالية لدعم مقاومة الانحباس الحراري. ففي حين أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام القمة على عزم بلاده المساهمة بقيمة 6 مليار يورو سنويا ومليارين لصندوق التكيف مع الأزمة إلى حد 2025، أعلن الوزير الأول البريطاني الجديد ريشي سوناك على مساهمة بلاده ب 13،3 مليار يورو ورفع المساهمة في صندوق التكيف إلى 1،7 مليار يورو إلى حد 2025.
وحسب تقرير قدمته القمة المصرية بمشاركة الرئاسة البريطانية لقمة غلاسكو فإن البلدان الفقيرة والنامية تحتاج إلى 2400 مليار دولار سنويا لمقاومة مضاعفات الاحتباس الحراري للفترة ما بين 2022 و2030. وهو رقم خيالي مقارنة بما هو مطروح على طاولة المفاوضات في شرم الشيخ. في المقابل تتحرك بعض الدول لتعويم المسألة. من ذلك أن قررت اسبانيا والسنغال العمل على تأسيس «التحالف الدولي من اجل الصمود أمام الجفاف» والذي يضم 25 دولة و 20 منظمة بميزانية قدمتها اسبانيا قدرت ب...5 ملايين يورو. أما فرنسا فاقترحت على لسان رئيسها تأسيس «تحالف مالي» بين فرنسا و...بربادوس من أجل بعث «مجموعة سامية» تهتم بتقديم «توصيات تخص التمويلات الخلاقة من أجل المناخ» والعمل على حثّ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون والنمو الأوروبية على تقديم حلول عملية.
وجاء التأكيد اليوم من الأمم المتحدة حيث أعلن أمينها العام عن تخصيص 3 مليار دولار لإرساء نظام تنبيه دولي يخص الكوارث الطبيعية. ويندرج ذلك في برنامج عمل لمدة 5 سنوات يهتم بإطلاق إنذارات للدول المهددة بالكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والفيضانات قبل حدوثها. أما باقي الوعود فهي، حسب التصريحات الأولية لبعض زعماء العالم، فإنها لن تكفي للتصدي للرهانات الحقيقية التي تواجهها بلدان العالم. وما بقي أمام البلدان المتضررة جراء تدهور حالة المناخ المطالبة ببرنامج تعويض «الخسائر والأضرار» وهي ميزانية قدرت بحوالي 580 مليار دولار سنويا في البلدان المتضررة مباشرة. وتبقى أمام الدول المصنعة مسؤولية الالتزام بباقي الرهانات المتعلقة بالتقليص في نسب الكربون في الهواء وحماية التنوع البيئي وأخذ قرار صارم في عدم استخدام الفحم الحجري في صناعة الغاز والكهرباء مثل ما هو الحال في الصين وفي ألمانيا. وهي ملفات تضاف لوجوب الاستثمار في الطاقة البديلة وتقليص حدة المحروقات. وهو رهان أصبح من ضروريات سياسات الدول المشاركة في قمة شرم الشيخ.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115