من «الشرق الأوسط» الى منطقة «المحيطين الهندي والهادئ»: المتغيرات الإقليمية والعالمية في خضم الحرب الروسية الأوكرانية

منذ انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا قبل أربعة أسابيع كانت جلّ التوقعات تؤشر الى دخول العالم في نظام دولي جديد لم تتضح معالمه بعد ،

فأوكرانيا المحاصرة تحت القصف الروسي، لن تتغير وحدها بل يبدو أن النظام الدولي برمته بصدد التشكل من جديد، إقليميا ودوليا .
تطال خلفيات وأبعاد الحرب الروسية الأوكرانية او ما يمكن تسميته بالصراع «الروسي- الغربي» أكثر من بقعة حول العالم . وهو صراع متعدد الأبعاد ومتواصل في الزمن، تحاول خلاله روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينات من القرن العشرين ان تستحضر أمجاد الإمبراطورية السوفياتية أو روسيا القيصرية، فيما يحاول الغرب ان يقضي على هذا الحلم السوفياتي بكل الامكانيات الممكنة . ويأخذ الصراع أشكالا متعددة يبدو ان الحروب الروسية الأوكرانية هي آخر تمظهراته بكل تداعياتها وانعكاساتها .
تهدئة في الملف السوري؟
على الصعيد الإقليمي يربط العديد من المتابعين بين الزيارة التي أداّها الرئيس السوري بشار الأسد الى الامارات والمتغيرات الحاصلة دوليا لعل أهمها الحرب الروسية الأوكرانية ...ففي الوقت الذي تفجّرت فيه براكين هذه الحرب، توقع البعض بان يؤدي انشغال أمريكا بهذا الملف الى إعطاء فرصة لأزمات أخرى للتهدئة وذلك على غرار الملف السوري والذي كان طوال العشرية الأخيرة يشكل ساحة من ساحات الصراع الدولي الأمريكي الروسي . وهذا تمثل بما يمكن وصفه بـ» هدنة «في الأزمة السورية وانفراج على صعيد العلاقة بين دمشق والدول العربية. وكانت بداية هذا الإنفراج مع زيارة بشار الأسد التاريخية والمحورية الى الامارات والتي تعد جزءا من هذا المشهد الجديد الذي يبدو ان أبرز عناوينه «التهدئة الإقليمية في سوريا» . فواشنطن تريد إدارة الصراع مع روسيا في مناطق أخرى أكثر فاعلية وتأثيرا بالنسبة اليها وذلك بعد تفجّر حمم بركان الحرب الروسية الأوكرانية والتي فاقت تداعياتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية كل التوقعات.
اذ يُراد اليوم للملف السوري ان يطوى او يدخل في هدنة مؤقته في وقت تبدو فيه جبهات ومحاور أخرى بصدد التفاعل.
واشنطن والجبهات الجديدة
بعيدا عن الاتحاد الأوروبي والناتو الذي وقف عاجزا عن مواجهة الحرب الروسية ، تسعى الولايات المتحدة الى التأثير على موسكو من خلال شبكة أحلافها الأخرى على غرار حلف «اكواد» . فواشنطن تسعى من خلال هذا الحلف -الذي يضم الى جانب واشنطن كلا من أستراليا واليابان والهند وتأسس في العام 2007 لمواجهة النفوذ الصيني-، الى تشكيل ضغط إضافي على موسكو . وحاول الأمريكيون خلال القمة الأخيرة التي انعقدت خلال هذا الشهر الى استصدار قرار يدين العملية الروسية لكن هذه المساعي تعثرت أمام موقف الهند الرافض لإدانة الحرب بشكل علني وصريح .
واقتصر البيان المشترك على إعلان أن قادة دول حلف « اكواد» «ناقشوا النزاع والأزمة الإنسانية الجارية في أوكرانيا»، وجددوا دعوتهم لأن تكون «منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة، تُحترم فيها السيادة والسلامة الإقليمية ولا يسلط فيها على الدول أي ضغط عسكري واقتصادي وسياسي» دون ادانة واضحة لموسكو.
في الحقيقة توجد مخاوف غربية من ان تساهم العلاقات السياسية والأمنية والتجارية بين نيودلهي وموسكو في إيجاد منافذ أمان من شأنها تعزيز قدرات روسيا الاقتصادية في خضم الحصار الاقتصادي المفروض عليها .
والمعلوم ان مصافي النفط الهندية اشترت في الأيام الأخيرة عدة ملايين من البراميل من النفط الروسي بسعر مخفض، وفق تقارير صحافية.
ووفق الصحافة المحلية، وضعت نيودلهي آلية تعامل بالروبية والروبل لتمويل واردات النفط خصوصا، تجنبا لإجراء التبادلات بالدولار الأمريكي.
وفي مقابل ذلك، تسعى الولايات المتحدة الى توظيف تحالفاتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأحلافها هناك لمزيد الضغط على روسيا وتشديد الخناق عليها ، ولكنها لقيت صدا من نيودلهي التي امتنعت عن التصويت على قرار للأمم المتحدة يطالب «روسيا بالتوقف فورا عن استخدام القوة ضد أوكرانيا».
يشار الى ان موسكو والهند ترتبطان بعلاقات تاريخية استراتيجية ودبلوماسية وتجارية. وتبدو نيودلهي في موقف لا تحسد عليه وهي تحاول اليوم ان تجمع بين مصالحها مع الغرب والولايات المتحدة من جهة ، ومصالحها مع موسكو . إذ لا تزال روسيا أكبر مورد للأسلحة للهند وتزودها بمعدات مثل نظام الدفاع الصاروخي S-400 الذي يمنح الهند ردعاً استراتيجياً حاسماً في مواجهة الصين وباكستان، وهذا ما يفسر اليوم موقف الهند بالرغم من كل الضغوطات الأمريكية. اما دبلوماسيا، فكانت موسكو قد امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن لمرات عديدة بشأن قرار ضد كشمير المتنازع عليها ، وهو ما اعتُبر دعما دبلوماسيا كبيرا لنيودلهي . وتسعى الهند الى لعب دور وسيط من خلال الإبقاء على القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع الجانبين الأوكراني والروسي في الآن نفسه.
وتأتي كذلك الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا الى الهند من أجل ممارسة المزيد من الضغط على الأخيرة فيما يتعلق بموقفها من الحرب الروسية. وأشارت رئاسة الحكومة الهندية إلى أن المناقشات مع رئيس الوزراء الياباني ستشكّل «مناسبة لتبادل وجهات النظر حول قضايا إقليمية وعالمية ذات اهتمام مشترك بغية الدفع قدما بشراكتهما من أجل السلام والاستقرار الازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وما بعدها».
الوهن الأوروبي والبديل الياباني
ويرى البعض بأن واشنطن ادركت ان الاتحاد الأوربي اصبح فيه من الوهن ما يجعل إمكانية الاعتماد عليه كحليف رئيسي ضربا من ضروب المغامرة . فلم يبق من هذا الاتحاد الا بعض الدول الكبرى على غرار فرنسا وألمانيا والى حد ما إيطاليا ، وتسعى الولايات المتحدة لاستقطاب هذه الدول في أطر أخرى على غرار الدول السبعة الصناعية الكبرى. ويبدو ان الإدارة الامريكية حاولت توظيف اليابان في الصراعات الإقليمية والدولية تحت اطار «الدول الصناعية الكبرى» ...وهذا ما دفع موسكو للرد من خلال استعراض عضلاتها العسكرية عبر مرور أربع سفن حربية روسية من مضيق تسوغارو في شمال شرق اليابان ، الأمر الذي أثار حفيظة طوكيو .
وكانت اليابان قد صعدّت من عقوباتها الاقتصادية على روسيا وجمّدت أصول 15 فردا إضافيا بينهم نواب لوزير الدفاع الروسي، و9 مؤسسات روسية ردا على حربها على أوكرانيا . وكذلك تماشيا مع تعاونها مع دول مجموعة السبع، وأعلنت اليابان في وقت سابق أنها ستخرج روسيا من صفة «الدولة الأكثر تفضيلا».
وفي الآن نفسه ، دعت اوكرانيا الصين الى الانضمام لدول الأخرى في إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال احد مستشاري الرئيس الأوكراني ان الصين يمكن أن تصبح جزءا مهما من نظام الأمن العالمي إذا اتخذت القرار الصائب لدعم تحالف الدول المتحضرة وإدانة روسيا» . وياتي ذلك في محاولات تحييد حلفاء موسكو الرئيسيين على غرار بكين ونيودلهي وتعديل بوصلة مصالحهم ومواقفهم دعما للموقف الغربي.
تجدر الإشارة الى ان روسيا نجحت خلال أعوام ، في التقرب من تركيا والهند، ومن ايران والصين لتوسيع شبكة تحالفاتها وتعدد شراكاتها فهي حليفة الهند والصين العدوين اللدودين في الآن معا . ولا تخفى المخاوف الأمريكية من نهضة روسيا التي حصلت على يد بوتين طيلة العقد الماضي وعودتها الى الميدان بقوة أكبر . وهذا ما دفع عديد الباحثين الأمريكيين الى التحذير مما يسمى بـ«الاوراسية» ويعتبرون ان سيطرة روسيا على جزئي اوراسيا يشكل خطرا استراتيجيا على مصالح أمريكا .
وسعى بايدن الى احياء تحالف اكواد الذي تشكل أساسا في مواجهة النفوذ الصيني ، وها هو اليوم يوظفه من اجل مواجهة العملاقين الروسي والصيني في الآن معا . وحرص خلال كلمته في الاجتماع الأخير الى التأكيد على القيم الديمقراطية التي تجمع الدول الأربع في تحالف اكواد . وقال بايدن «نحن أربع ديمقراطيات من الطراز الأول، ويجمعنا تاريخ طويل من التعاون، نحن نعلم كيف ندفع بالأمور للمضي قدما».
خطاب بادين يعكس في الحقيقة هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في مواجهة النفوذ الروسي والتمدد الصيني في العالم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115