سعد الحريري يعلن تعليق عمله بالحياة السياسية: هل انتهت حقبة «السياسة الحريرية» في لبنان ؟


أعلن رئيس الحكومة اللبناني الأسبق، ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري مساء اول أمس عن تعليق عمله في الحياة السياسية وعزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية

المقبلة جاء ذلك في خطوة أربكت المشهد السياسي العام في لبنان وأثارت ردود فعل واسعة في الداخل اللبناني. وقد جاء اعلان الحريري خلال كلمة وجهها إلى اللبنانيين بحضور شخصيات وازنة في تيار المستقبل في مقدمتهم شقيقة والده بهية الحريري .
دخل الحريري إلى عالم السياسة بشكل رسمي بعد اغتيال والده الزعيم اللبناني الراحل رفيق الحريري وذلك بعد ان كلّفه الرئيس اللبناني ميشال سليمان بتشكيل الحكومة الأولى له. وكانت تلك نقطة تحول جوهرية في حياة الرجل الذي جاء من عالم المال والأعمال ليجد نفسه يرث ارثا سياسيا صعبا ورهانا أصعب يتعلق بالبحث عن العدالة المفقودة ومعرفة الحقيقة كاملة وراء جريمة العصر .
ماذا تبقى من إرث الحريري؟
وفي خطاب مطول شرح فيه ابن الزعيم اللبناني الراحل رفيق الحريري ووريثه السياسي أسباب هذا القرار المفاجئ قال: «من باب تحمل المسؤولية، ولأنني مقتنع بأن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة، أعلن أولاً، عن تعليق عملي في الحياة السياسية ودعوة عائلتي في تيار المستقبل الى اتخاذ الخطوة نفسها». كما أعلن الحريري عن «عدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسم التيار». وأكد على البقاء «في خدمة أهلنا وشعبنا ووطننا، لكن قرارنا هو تعليق أي دور أو مسؤولية مباشرة في السلطة والنيابة والسياسة بمعناها التقليدي».
وأضاف: «سنبقى من موقعنا كمواطنين متمسكين بمشروع رفيق الحريري لمنع الحرب الأهلية والعمل من أجل حياة أفضل لجميع اللبنانيين». وأوضح أنه «بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقع الخيار علي لمواصلة مشروعه السياسي... لا لتبقى عائلة الحريري في السياسة، بغض النظر عن المشروع والمبادئ والظروف». وكشف الحريري عن أن «مشروع رفيق الحريري يمكن اختصاره في فكرتين: أولاً: منع الحرب الأهلية في لبنان، وثانياً: حياة أفضل للبنانيين. نجحت في الأولى، ولم يكتب لي النجاح الكافي في الثانية». وقد أحدث هذا القرار بلبلة في صفوف مناصري تيار المستقبل الذي خرجوا الى الشوارع لدعوته الى العدول عن قراره .
قد يرى البعض ان قرار الحريري كان صائبا خاصة أنه أقرّ باخفاقه في تأمين حياة كريمة للبنانيين بعد الانهيار غير المسبوق والذي أوصل البلد الى وضع كارثي على مختلف المستويات. وتعتبر اعتزال السياسة عند الفشل والتعثر من باب الحكمة والتراجع وذلك أفضل من مواصلة الطريق الوعرة . وطوال الفترة الماضية وفي خضم ما شهده البلد من احتجاجات شعبية عارمة، كان اللبنانيون يحمّلون المسؤولية للطبقة السياسية الحاكمة المتصارعة والتي رهنت البلد للقرار الخارجي بغض النظر عن صفة هذا «الخارجي» سواء أكان شقيقا او خصما او عدوا ، لكنه يبقى في نهاية المطاف خارجيا يخدم مصالحه بمعزل عن مصلحة لبنان وسيادته ورفاهية شعبه. ولعل السؤال الأهم اليوم هو هل ان تعليق الحريري عمله السياسي لطيّ صفحة ما يمكن تسميته بمرحلة «السياسة الحريرية» والتي كان لها تأثير ونفوذ واسع في الشارع السني في هذا البلد طيلة العقدين الماضيين؟ . ام أن هناك اسماء أخرى ستبرز على غرار شقيقه بهاء الدين الحريري -وهو الأكثر تحفظا وتطرفا فيما يتعلق بالعلاقة مع باقي الفرقاء السياسيين في لبنان- او أحد مقربيه في التيار ؟
يبدو جليا ان الحريري وجّه الدعوة لكل عائلة الحريري لتعليق العمل بالسياسة ولكن يرى البعض ان هذا الاعتزال او التعليق المؤقت جاء لفسح المجال واسعا أمام خصوم الحريري سواء في العائلة نفسها او من داخل التيار او الشارع السني في بلد تحكمه معادلات الطوائف ورموزها.
 ولعل السؤال الأهم ما هو البديل عن هذه «السياسة الحريرية» بعد فشلها من ايجاد صيغة للتعايش والاصلاح من الداخل، وهل سيتمكن اللبنانيون خلال الانتخابات القادمة في ماي المقبل من اختيار أسماء جديدة مستقلة بعيدا عن معادلات النفوذ والقوى التقليدية؟.
استحقاقات هامة
الجدير بالذكر ان خطوة الحريري تتزامن مع تطورات هامة تشهدها البلاد لعل أهمها بدء المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد تمهيداً للتوصّل الى اتفاق بشأن خطة انقاذ اقتصادي تضع حداً للتدهور غير المسبوق الذي تشهده البلاد منذ عامين.
وذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «بدأت المفاوضات الرسمية بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي في شأن برنامج التعافي الاقتصادي الذي ترغب الحكومة في إبرامه مع الصندوق».
وترأس الجولة الأولى من المفاوضات التي جرت عن بعد نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي عن الجانب اللبناني. وقال الشامي وفق البيان «سنبحث في هذه الجولة الأولى من المفاوضات على امتداد الأسبوعين المقبلين سندرس مواضيع عدة منها الموازنة والقطاع المصرفي وسعر صرف الدولاروغيرها من المواضيع التي ستشكل العناصر الأساسية لبرنامج التعافي الاقتصادي».
وآمل في «انتهاء المفاوضات في أسرع وقت» موضحاً في الوقت ذاته أنه «نظرا لتشعب المواضيع من المحتمل عقد جولات أخرى حتى نصل الى اتفاق».
يشار الى ان تقديرات للبنك الدولي كشفت عن أن إيرادات الحكومة اللبنانية تراجعت إلى النصف تقريبا في عام 2021 . وأوضح البنك، في تقرير جديد أن الإيرادات تراجعت لتصل إلى 6ر6% من إجمالي الناتج المحلي، وهي ثالث أقل نسبة على مستوى العالم بعد الصومال واليمن.
ومن المتوقع أن يبلغ الدين الإجمالي 183% من إجمالي الناتج المحلي في 2021، ليسجل لبنان رابع أعلى نسبة مديونية في العالم بعد اليابان والسودان واليونان.
وحذّر التقرير من أن «الفئات الفقيرة والمتوسطة تتحمل العبء الأكبر للأزمة المالية الراهنة، وهي الفئات التي كان النموذج القائم لا يلبي حاجاتها أصلا».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115