تكف منذ قرابة الشهر عن التأكيد على أن أفراد من حكومة بوريس جونسون لم يحترموا قانون الحظر الصحي الذي فرضوه على المواطنين بتنظيم «حفلات خمرية» في مبنى الحكومة وفي مقر بوريس جونسون الشخصي وفي الحديقة المتاخمة له.
ولئن ركزت صحيفة «دالي مايلز» المعارضة لبوريس جونسون على «عدم احترام الحكومة لقوانينها» فإن باقي الصحف المحلية ومن ضمنها الصحف المحافظة لم تتأخر في توجيه اللوم للوزير الأول بوريس جونسون. وقد حصرت الصحف البريطانية 15 حفلة غير قانونية في زمن الحظر الصحي تم تنظيمها من قبل فريق عمل بوريس جونسون. ومن بينها حفل نظم يوما قبل مراسم دفن الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث الثانية مما أجبر بوريس جونسون على تقديم اعتذاراته للملكة. وذهبت صحيفة «فايننشال تايمز» المحافظة إلى القول بأنه رغم رفض بوريس جونسون الاستقالة من منصبه الا ان «الموضوع سوف يأخذ بعض الوقت قبل أن يشكك في زعامته داخليا». وهي إشارة واضحة إلى تغيير في موقف جزء من أفراد الحزب المحافظ.
فتح تحقيق إداري
وقد نشرت الصحافة أخبارا دقيقة عن تنظيم حفلات كان مصدرها المساعد الأساسي السابق لبوريس جونسون دومينيك كومينغز الذي استقال من منصبه منذ سنة وهو يقود «حملة إعلامية» ضده عبر موقعه الخاص على شبكة الأنترنت سرب فيها معلومات موثقة على عدم احترام القانون من قبل إدارة الحكومة. وقد أكد في أحد مقالاته أن الوزير الأول قد «كذب» أمام مجلس العموم يوم 12 جانفي عندما اعترف بمشاركته في حفل واحد معللا ذلك بأنه «لم يكن يعرف أن ذلك كان حفلا، بل كان يعتقد أنه لقاء عمل». وكتب كومينغز أنه نبه مع بعض زملائه في ماي 2020 الوزير الأول من خطورة السماح بتنظيم مثل هذه الحفلات في زمن الحظر الصحي. ونشر رسالة رقمية لمساعده الأول تطلب من المدعوين «القدوم ومعهم شرابهم الكحولي».
وأمام خطورة الاتهام، وخاصة «الكذب على البرلمان» ، تم فتح تحقيق إداري بقيادة المديرة السامية سو غراي التي شرعت في استنطاق شهود عيان وسياسيين من بينهم دومينيك كومينغز الذي أكد للمحققة أن بحوزته صورا فوتوغرافية تؤكد صحة أقواله. وسوف تقدم المحققة لمجلس العموم مخرجات بحثها في الحفلات التي تم تنظيمها في مقر الحكومة في مختلف مراحل الحظر الصحي المفروض على البلاد.
غضب داخل حزب المحافظين
مع تصاعد أصوات المعارضين من الحزب العمالي داخل البرلمان تفاقم غضب زملاء بوريس جونسون من حزب المحافظين. وذهب النائب دافيد دايفيس، الذي كان أحد ركائز «البريكست»، إلى مطالبة بوريس جونسون بالاستقالة في أحد مداخلاته في مجلس العموم. وصرح دومينيك كومينغز، المستشار السابق لبوريس جونسون، يوم 18 جانفي أنه «مستعد للشهادة رسميا وجلب شهود عيان آخرين» للتدليل على كذب الوزير الأول أمام مجلس العموم. وهو اتهام خطير اعتبارا لتقاليد الحياة السياسية البريطانية.
من جهة أخرى، طالب النائب وليام وراغ يوم 20 جانفي زملاءه باخبار الشرطة بكل «الضغوطات» وعمليات «الابتزاز» من أجل منعهم من التعبير عن عدم ثقتهم في بوريس جونسون. وكان النائب قد أعلن للصحافة البريطانية أنه تلقى معلومات عن اقدام «موظفين في الحكومة ومستشارين وأعضاء في الحكومة يشجعون على نشر مقالات ضد معارضي الوزير الأول.» وذكرت صحيفة دايلي مايل أن مجموعة من النواب الشبان في حزب المحافظين شكلوا مجموعة مضادة لبوريس جونسون فيما يعتقد أنه بداية لحشد الأصوات في عملية داخلية لدفعه بوريس جونسون للاستقالة من رئاسة الحكومة.
وزيرة الخارجية ليز تروس لخلافة جونسون؟
وأعلن يوم 19 جانفي النائب عن حزب المحافظين كريستيانو ايكفورد استقالته من الحزب والتحاقه بصفوف الحزب العمالي المعارض. وكان وايكفيلد أحد النواب الذين نادوا صراحة باستقالة بوريس جونسون. وتعالت منذ أيام في صفوف المحافظين أصوات منادية برحيل الوزير الأول بعضها تم نشره على الصفحة الأولى من جريدة «تايمز» اللندنية التي عرجت على عدم ثقة بعض الوزراء في رئاسة الحكومة. وعبرت أصوات داخل الحزب على ارسال نداءات إلى «مجلس 1922» الذي له وحده صلاحيات البت في سحب الثقة من الوزير الأول. ولا بد أن يتلقى المجلس 54 رسالة خطيا بسحب الثقة حتى ينظم في مجلس العموم تصويا على سحب الثقة. وذكرت الصحف اللندنية أن رسائل لا تفوق الثلاثين وصلت لمجلس إلى حد الآن.
في المقابل بدأت الاستعدادات داخل الحزب للبحث في بديل لبوريس جونسون. وهي معركة داخلية للحزب معقدة ومتشعبة الجوانب لما لنقل السلطة من تأثير على المصالح السياسية الحزبية والمصالح الوطنية في إدارة الشأن العام. ولوحظ في الأيام السابقة أن بعض النواب يرشحون وزيرة الخارجية الحالية ليز تروس المعروفة بحسها الوطني بمواقفها اللبرالية لخلافة بوريس جونسون في حالة استقالته. ونشرت بعض الصحف صورا جديدة للوزيرة تظهر فيها على متن دبابة مذكرة بصور الوزيرة الأولى مارغريت تاتشر. وهي صور تشير إلى بداية حرب داخلية على السلطة لا تعرف نتيجتها إلى حد الآن.
محاولات للبقاء
في مثل هذه المعارك، للفوز ببلدية لندن لولايتين أو برئاسة الحكومة، أظهر بوريس جونسون حنكة سياسية وشجاعة منقطة النظير. ولم يتأخر مرة على خوض المعارك بكل الأساليب المتاحة. أخر قرار أخذه هو رفع كل القيود المفروضة على المواطنين جراء الجائحة لإرضاء الرأي العام وجعله ينقلب ضد السياسيين وبذلك استرجاع نسبة ولو طفيفة من رضى المواطنين قصد البقاء في كرسي رئاسة الحكومة. ولا يزال جونسون يخطط للتخلص من التهم المتعلقة به. من ذلك أنه ينوي طرد كل الأعوان الذين أداروا الحفلات المعنية ونشر قرار حكومي بمنع استهلاك المواد الكحولية في المباني الحكومية.
أما على المستوى السياسي فقد أعلن أمام أعضاء الحزب أنه مستعد لخوض الحملة الانتخابية لعام 2024 مذكرا بذلك الحزب بنجاحة في تحقيق فوز تاريخي في الانتخابات السابقة وقدرته على الفوز مرة أخرى. وهي مناورة هدفها رص الصفوف وراءه ومنع المترددين من الدخول في مشروع سحب الحصانة. لكن ذلك لم يمنع تدهور صورته في الرأي العام البريطاني حيث سجل في آخر سبر للآراء لمؤسسة «إيبسوس موري» نسبة 61% من المعارضين لسياساته. ولا يزال الجدل قائما في صفوف المحافظين وفي البرلمان حتى تصل نتيجة البحث الإداري الذي يمكن أن يرجح الكفة من ناحية أو أخرى.
بوريس جونسون: هل حان وقت الوداع؟ مناورات سياسية لدفعه نحو الاستقالة
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 12:04 24/01/2022
- 580 عدد المشاهدات
تعيش بريطانيا العظمى على وقع الفضائح المتعددة التي تدور في مقر الحكومة ، حسب ما نشرته من تسريبات الصحافة البريطانية التي لم