رهانات الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي: ثلاث عقبات أمام ماكرون: الانقسام الأوروبي وجائحة كورونا والانتخابات الرئاسية

شرعت فرنسا في بداية الشهر الحالي في رئاسة الاتحاد الأوروبي الدورية التي تحل كل 13 سنة. وتتزامن هذه المرة مع الحملة

الانتخابية الرئاسية والتشريعية التي تنطلق يوم 10 أفريل القادم والتي بدأت بدخول المرشحين في حملتهم مما يمكن أن يعيق مساعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تحقيق برنامجه الأوروبي الذي أعلنه منذ 2017 والذي يعمل على دفعه إلى الأمام في هذه السنة. وكان للأيام الأولى من الرئاسة الفرنسية طابع دبلوماسي باستقبال ماكرون في قصر الإليزيه لرئيسة المفوضية فان در لاين وأعضاء المفوضية ورئيس المجلس الأوروبي. ثم انتقل ماكرون يوم الأربعاء 19 جانفي إلى ستراسبورغ لإلقاء كلمة «توجيهية» أمام البرلمان الأوروبي مشيرا إلى الانطلاق الفعلي للرئاسة الفرنسية لأوروبا مدة 6 أشهر.
ويواجه إيمانويل ماكرون، الذي لم يعلن بعد عن ترشحه لولاية ثانية على رأس الدولة، تحديات جسيمة في الأشهر القادمة بسبب انطلاق الحملة الانتخابيةوتعدد المسائل المطروحة على الصعيدين الوطني والأوروبي والتي لا تتطابق في كل الأحيان. وفي صورة ترشحه وعدم فوزه في الانتخابات القادمة يمكن أن يصبح برنامج فرنسا لأوروبا محل نقاش في الأشهر الأخيرة من الرئاسة الفرنسية من قبل الرئيس الجديد. من ناحية أخرى، وحتى في صورة فوزه بالرئاسية، لا يستطيع ماكرون تنفيذ أفكاره حول أوروبا في بضعة اشهر علما وأن أي مشروع أوروبي يأخذ عامين على الأقل ليجد طريقه نحو التنفيذ. لكن ماكرون يريد استغلال هذه الفرصة لبث أفكاره الأوروبية الرامية إلى تطوير المشروع المشترك وهو موضوع لم يخض فيه منافسوه على الرئاسة الذين يواجهون رأيا عاما ينتقد بشدة العطاء الأوروبي بنسبة تفوق 45%.
الأجندةالرئاسية لأوروبا
فتح خطاب ماكرون أمام البرلمان الأوروبي الباب أمام عمل دبلوماسي يشمل 400 لقاء في 6 أشهر من الرئاسة الفرنسية. وتعنى أهم المحطات بالشأن الداخلي الأوروبي وبالعلاقات الدولية. وقد برمجت أول قمة هامة، حسب بيان لقصر الإليزيه، في منتصف شهر فيفري بين بلدان الاتحاد الأوروبي والبلدان الإفريقية. وسوف تواصل أوروبا مساعيها لتطوير العلاقات مع القارة السوداء في إطار منافسة المد الصيني والروسي الذي أصبح حقيقة ملموسة تهدد مباشرة المصالح الأوروبية. وتتوج المرحلة الأولى من الرئاسة الفرنسية بتنظيم القمة الأوروبية يومي 10و11 مارس في فرنسا.
وتحتوي المرحلة الدبلوماسية الثانية والختامية على موعد مهم في ماي 2022 وهو المؤتمر حول مستقبل أوروبا الذي هو بصدد التحضير منذ سنين ويعتني بإعادة صياغة «الدور الإنساني لأوروبا، من أجل إرساء اتحاد فعال قريب من المواطنين». أما شهر جوان، فسيخصص بعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية لتنظيم مؤتمر خاص حول دول البلقان الغربية واجتماعا عاما للجامعات الأوروبية من أجل التنسيق فيما بينها في مجال التعليم والبحث العلمي وتطوير التبادل الأكاديمي. كل هذه المحطات سوف يقع تنظيمها بالتوازي مع الحملة الانتخابية الفرنسية وسوف يكون لها تأثير على مجرى الأحداث.
سيادة استراتيجية
أبرز البيان الرسمي لقصر الإليزيه المتعلق بالرئاسة الفرنسية للاتحاد المبادئ الأساسية التي سوف تعمل باريس على إدراجها في مقترحاتها لباقي الدول الأعضاء وتتعلق بدعم «أوروبا خضراء ورقمية واجتماعية وإنسانية». أربعة مبادئ عامة من أجل دعم «السيادة الإستراتيجية» للاتحاد الأوروبي. وكان الرئيس ماكرون قد أعلن عن برنامج إصلاحي واسع يهدف إلى إرساء «أوروبا قوية، تتمتع بسيادة كاملة وتكون حرة في خياراتها وسيدة مصيرها». كلمات في أسلوب ديغولي تنتظر التطبيق في جو أوروبي منقسم بين بلدان تشجع على نظام اندماجي وأخرى تتوخى نظرة قومية تفضل الوطن على الانصهار في مجموعة متشعبة.
المقترحات الفرنسية في هذه المرة منحى واقعي بعيد عن التوجهات الإيديولوجية المعهودة. وقد أقرت ماكرون جملة من المشاريع المطروحة للنقاش تتعلق بإعادة النظر في قانون شنغان الضامن لحرية التنقل بين البلدان الأعضاء من أجل تطويره نحو تشاركية أكبر وضمان دائم لحماية الحدود المشتركة وتقاسم العبء بين البلدان الأعضاء. وهي مسألة تتعلق بقدرة البلدان الأعضاء على التحكم في موجات الهجرة غير النظامية وموجات اللاجئين القادمين من بؤر التوتر في الشرق الأوسط وافريقيا. وهو موضوع خلافي مع ألمانيا التي أعلنت رسميا على لسان مستشارها الجديد أولافشولتز أنها قادرة على استيعاب 400 ألف مهاجر سنويا. الموضوع الثاني الخلافي هو إرساء أجر أدنى أوروبي للعمال من أجل منع المنافسة غير الشريفة في كل الفضاء الاقتصادي الأوروبي لحماية الشغالين والمؤسسات. وهو موضوع شائك يصعب التوصل فيه إلى أغلبية 65% لتمريره. الموضوع الثالث المطروح على طاولة المفاوضات يتعلق بدعم السيادة الأوروبية عسكريا واستراتيجيا. وهو يتعلق بالتعجيل في إرساء نظام دفاعي مشترك رغم حرص ألمانيا وبولونيا والمجر على البقاء في منظمة الحلف الأطلسي خلافا لباريس التي اعتبرت أن المنظمة «في حالة موت سريري». البعد الثاني لهذه المسألة يتعلق بفرض قيود على الشركات الرقمية الأمريكية وذلك بإجبارها على دفع الضرائب وحماية المستهلكين.
وأعلن ماكرون عن عزمه على دعم السياسة الأوروبية نحو تطوير البحث العلمي في الميدان الصحي وفي ميادين الإبداع والخلق في الميادين الإستراتيجية التي تعطي دفعا لمشروع السيادة الأوروبية انطلاقا من النتائج المخجلة للدور الأوروبي في مقاومة جائحة كورونا. وسجل الإتحاد اخفاقا مدويا إذ لم يتمكن من التوصل إلى لقاح أوروبي يمكنه من لعب دور في سوق الأدوية العالمي. وذلك يشهد على «تخلف» البحث العلمي الأوروبي بالنسبة لمنافسيه.
الحملة الانتخابية في الميزان
تعد جملة هذا البرنامج الأوروبي من مشمولات المرشح للرئاسة المرتقب إيمانويل ماكرون. وسوف يواجه ساكن قصر الإليزي رهانات أخرى على المستوى الداخلي تتعلق بالأساس في بلورة برنامج سياسي واقتصادي لولاية ثانية مع ابراز «النجاحات» المسجلة خلال الولاية الأولى. لا شك أن قدرات الرجل كبيرة برهن عليها بكل شجاعة واقدام خلال أزمة السترات الصفراء كذلك خلال جائحة كورونا المتواصلة والتي أقدم فيها على كسر العقيدة التقليدية لإدارة الشأن العام بتوخي سياسات حامية لمصلحة الشغالين والأعراف والمجازفة برفع سقف المديونية العامة لرفع تحديات الأزمة.
ويعتقد مستشارو الرئيس ماكرون أن تزامن رئاسة الإتحاد الأوروبي والحملة الانتخابية الفرنسية هي فرصة لفرض ريادة فرنسا على المشروع الأوروبي. وهي فرصة أيضا لإبراز الدور الأوروبي المفصلي في أي مشروع حكومي وطني. البعد الوطني والضمان الأوروبي يندمجان، حسب قصر الإليزيه، في صياغة مستقبل مشرق للاتحاد يكون فيه سيد قراره بتوخيه سياسات طموحة ومتجددة وينفتح فيها على العالم وعلى مستجدات التحولات على صعيد العلاقات الدولية المتقلبة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115