ولعلّ التجارب السابقة مع اتفاقات وقف إطلاق النار في سوريا لم تكن بالنتائج المرجوّة منها، ممّا يزيد من التوقعات السلبية بفشل هذه الهدنة أيضا ، في وقت تعوّل فيه القوى الدوليّة عليها لتهدئة الاقتتال المشتعل على الميدان السوري .
ونصّ الاتفاق وافق عليه النظام السوري بالشرط المذكور أعلاه- في حين أعلن رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب ، أن فصائل المعارضة السورية أبدت موافقة أولية على الهدنة المؤقّتة ، حيث لم تخف تصريحات المعارضة مخاوفهم من مدى التزام النظام وروسيا وإيران به.
وينصّ اتفاق الهدنة ، الذي نشرته مواقع إعلامية ، على «وقف الأعمال العدائية في سوريا باستثناء «داعش» و«جبهة النصرة» وأي منظمات إرهابية يحددها مجلس الأمن» .
ولعلّ أحد أهمّ الأسباب التي من شانها إفشال وقف إطلاق النار، هو مناطق تمركز التنظيمات المتطرفة («داعش» و«جبهة النصرة») في سوريا ، نتيجة كثرة الفصائل المسلّحة الموجودة هناك والتحالفات المبنية بينها وبين التنظيمات المتطرّفة، وهو ما يزيد من ضبابية الاتفاق ، خاصة انّ المحافظات السورية تضمّ في أغلب الأحيان تنظيمات متطرّفة وفصائل مسلحة تختلف انتماءاتها وولاءاتها بين المعارضة والنظام والتنظيمات المتطرفة أيضا.
كما نصّ الاتفاق على ضرورة ارساء آلية رقابة لضمان تنفيذ بنود الهدنة، وهو مايزيد من تعقيد الأجواء، في ظلّ غياب آليات ملموسة على الميدان ، لفائدة الأطراف الأممية من شانها ضمان حسن سير هذا الاتفاق وضمان النتائج المرجوة منه أيضا.
الهدنة وولاءات الفصائل
من جهته شدّد الباحث المختصّ في الشؤون الدولية د. نصيف الخصاف على انّ الهدنة المرتقبة لن تصمد ولن تستمر كسابقاتها ، لان خيوط اللعبة ليست كلها بأيدي المتفقين عليها ، مضيفا انّ طبيعة الفصائل المسلحة في سوريا تزيد من تعقيد المعادلة ، خصوصا في ظلّ تباين مواقفها وتعدّد توجّهاتها .
وأكد الباحث في الشؤون الدولية انه من المستبعد أن تصمد هذه الهدنة طويلا في ظلّ تباين الأهداف ، مضيفا انه منذ بداية الأحداث في سوريا عام 2011 باتت ميدانا لحرب بالوكالة ، متسائلا «فمن أين يأتي دعم التنظيمات المسلحة الإرهابية وغير الإرهابية ان لم يكن من أطراف إقليمية أو دولية متضادة ومتعارضة المصالح والرؤى؟»
وأشار محدّثنا انّه «قد يكون لروسيا والولايات المتحدة تأثير في ما يجري على الأرض في سوريا، لكنّهما لم ينجحا في فهم المشهد السوري المعقّد والدّخول إلى التفاصيل الداخلية، وهو الأمر الذي نجحت فيه القوى الإقليمية الأخرى التي لها هدف واحد محدد، منها من يريد بقاء الأسد بأية طريقة ومهما تكن النتائج ومنها ما يريد عكس ذلك».
وتابع الخصاف القول «يُراد للوضع في سوريا أن يبقى على ماهو عليه، خاصة وانّ للكل منطقه وطريقة نفوذه، وليس أي طرف من الأطراف الدولية والإقليمية على استعداد للتخلي عنها لفائدة الآخر».
وتابع الخصاف:« عند ضعف الدولة وانهيار مؤسّساتها الأمنيّة، تسعى القوى الطامحة الى الانفصال عنها بمحاولة فرض سياستها الخاصة وهو ما يحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا على حدّ تعبيره، مشيرا إلى دور الأكراد في سوريا واتخاذهم ما يحدث في العراق وسوريا فرصة تاريخية لهم لإعلان دولتهم المنشودة ».
وأشار الخصاف إلى أنّ التطوّرات الأخيرة في المعادلة السوريّة وتغيّر موازين القوى، زادت من مساعي بعض القوى المؤثرة ، إقليميّا ودوليّا على دعم الأكراد واعتمادهم كورقة ضغط ، تحمل في طياتها تداعيات وتداخلات مع قضايا أخرى في المنطقة وأهمها الحرب على «داعش» ومواقف الدول الإقليمية من ذلك.
أدوار متداخلة
وعن الدور التركي في المعادلة السورية قال محدّثنا انّ انقرة تخشى بشدّة طموحات الأكراد وهو ما بدات روسيا باستخدامه كورقة ضغط ضد حكومة اردوغان بعد إسقاط الطائرة الروسية .
وأشار الخصاف إلى انّ الموقف الأمريكي يتسم بعدم اتخاذ موقف حاسم في موضوع الأكراد وطموحاتهم فهم من جهة مع وحدة العراق مثلا ، لكنهم في نفس الوقت يزودون قوات البيشمركة بالسلاح والعتاد، وهم ليسوا على علاقات طيبة جدا مع حكومة اردوغان لكنهم معها في ضرب حزب العمال الكردستاني ذي الخلفية اليسارية وفق تعبيره.
سبق لروسيا ان استخدمت هذه الورقة عبر لقاء بعض مسؤوليها بقادة الأكراد وثمة احتمالات بتقديم دعم سياسي ومادي لهم للقيام بتحركات مدنية ضاغطة على حكومة أردوغان وربما يتطور الأمر الى دعم مادي وتسليحي