ورفضا لرفع أسعار الغاز ، ثم ما لبثت ان تحولت الى انتفاضة واسعة ترفع مطالب سياسية أساسية بتغيير النظام ، في خطوة من شأنها خلط الأوراق وتغيير المعادلات في هذا البلد المترامي الأطراف والذي يعد تاسع أكبر دولة في العالم على مستوى المساحة .
وقد انطلقت أولى ردود الأفعال الدولية من موسكو التي دعت إلى حل الأزمة من خلال الحوار «ولا من خلال أعمال الشغب في الشوارع وانتهاك القوانين». في حين طالبت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جميع الأطراف بـ«ضبط النفس».
تهديد للنفوذ الروسي
ومثّل تفجر الاحتجاجات وتمددها بشكل واسع مفاجأة للمتابعين كذلك لصنّاع القرار في روسيا . فهذه الدولة تعتبر الأقوى في آسيا الوسطى اقتصاديًا، حيث يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 60٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، وذلك بصورة أساسية بسبب صناعة النفط والغاز لديها. كما أن لديها موارد معدنية وافرة. كل ذلك يجعل منها قوة اقتصادية وازنة وهي تعد الحديقة الخلفية لموسكو وكانت جزءا من الاتحاد السوفياتي وهي آخر الجمهوريات السوفيتية التي أعلنت استقلالها أثناء تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991.
وظلت موسكو طوال العقود الماضية تحظى بنفوذ واسع على هذا البلد وعلى ساسته ، ولئن كانت كازاخستان تتمتع بكل هذا الثراء الجغرافي والاقتصادي والموروث الحضاري الكبير، الا ان ما يؤاخذ عليه نظامها الاتهامات لسلطاتها بانتهاكات حقوق الانسان وقمع المعارضة والرقابة على وسائل الاعلام . وهذا ما دفع عديد المراقبين الى توصيف اول رئيس لها نور سلطان نزارباييف، بأنه سلطوي . ولعل تبنيها نظام الحكم الرئاسي ساهم في تجميع السلط في يد الرئيس الذي يتمتع بصلاحيات واسعة .
حصيلة ثقيلة
أسفرت الاحتجاجات عن مقتل «عشرات» المتظاهرين بأيدي الشرطة وجرح نحو ألف آخرين أثناء محاولة المحتجين الاستيلاء على مبان إدارية في حين قتل 12 من عناصر قوات الأمن وجرح 353 آخرين وفق ما أعلنت عنه السلطات المحلية امس. ويمثل تفجر الاحتجاجات تهديدا مباشرا لروسيا التي تحركت مع حلفائها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي وأرسلت الكتيبة الأولى من قوات حفظ السلام إلى كازاخستان . وقال هذا التحالف العسكري في بيان نشرته المتحدثة باسم الدبلوماسية الروسية ماريا زاخاروفا «تم إرسال قوة جماعية لحفظ السلام من منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى كازاخستان لفترة محدودة من أجل ضمان استقرار الوضع وتطبيعه».
وستكون مهمة هذه القوات التي تضم وحدات روسية وبيلاروسية وارمنية وطاجيكستانية وقرغيزستانية «حماية منشآت الدولة والمنشآت العسكرية» و»مساعدة قوات حفظ النظام الكازاخستانية على إحلال الاستقرار وإعادة دولة القانون». وبالرغم من تنازل الرئيس الكازاخستاني على قرار الرفع بأسعار الغاز وقالة الحكومة الا ان الاحتجاجات لم تهدأ
وتعيد مشاهد الفوضى التي تشهدها الشوارع في هذا البلد الى الأذهان ما يسمى بـ»الربيع العربي» الذي حوّل الشرق الأوسط الى مناطق متفجرة بالحروب الأهلية الدامية. ويخشى اليوم ان يعاد هذا السيناريو في كازخستان وان تتحول الى ساحة للصراع الروسي الأمريكي على النفوذ ومصادر الطاقة حول العالم . اذ لا يستبعد مراقبون ان يكون تطور الأحداث بشكل دراماتيكي في كازخستان وراءه أياد خارجية تريد تغيير معادلات الولاء لصالحها وفي مقدمتها الولايات المتحدة . وذلك في وقت تزداد فيه حدة الصراع بين العملاقين الروسي والامريكي في أكثر من منطقة حول العالم .
لطالما راهنت موسكو على ولاء كازاخستان لها أكثر من أوكرانيا نفسها . وهذا ما جعل روسيا تحتفظ بقاعدتها الفضائية في كازاخستان وكذلك أبقت على ترسانتها النووية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وذلك بسبب العلاقات الوثيقة التي تربط بين البلدين . وتدرك واشنطن بان خروج كازاخستان عن طاعة روسيا من شأنه ان يكون بداية نهاية الإمبراطورية الروسية بالنظر الى ما تمثله كازاخستان من أهمية استراتيجية واقتصادية وحتى أهمية في آسيا الوسطى فهي قريبة من أفغانستان والصين وتعيش في كازاخستان أقلية كبيرة روسية وتمثل أهمية اقتصادية وجيوسياسية حاسمة بالنسبة لروسيا.
اليوم عين موسكو على كازخستان وهي تدفع بكل ما لديها من ثقل عسكري وسياسي الى إعادة الأوضاع لسالف عهدها والى تهدئة الاحتجاجات لكي لا يتحول هذا البلد الى خاصرة رخوة تستطيع من خلالها الولايات المتحدة النفاذ الى أعماق موسكو وأسرارها وان تقضّ مضاجع الدب الروسي وتقلب موازين القوى لصالحها .
احتجاجات كازاخستان: تهديد للنفوذ الروسي وبداية تغيير للمعادلات
- بقلم روعة قاسم
- 12:37 07/01/2022
- 696 عدد المشاهدات
تعيش كازاخستان في هذه الأيام على وقع تحركات واحتجاجات مطلبية شعبية انطلقت بهدف المطالبة بتحسين الظروف المعيشية