في نوفمبر ليغير مفاهيم مقاومة الجائحة ويفرض على كل دول العالم اتخاذ إجراءات وقائية صارمة لحماية الأرواح ودعم المستشفيات والمنشآت الصحية. وقد ظهرت تقلبات سياسية على المستوى الدولي مع دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض مما تطلب إعادة النظر في العلاقات الدولية وقد صبت كل التحركات الحكومية والخاصة في نفس الإتجاه كما وقع دعم العلماء والباحثين في ميدان الصحة لمقاومة الجائحة. وبرهن العلماء والتقنيون في هذه المأساة العامة على قدرتهم على الخلق والإبداع لإنقاذ الإنسانية بعيدا عن متاهات الفكر الخرافي. وهو أهم درس نخرج به من عام 2021.
وجاء تقرير منظمة الصحة الدولية في 28 ديسمبر ليشير إلى انتشار فيروس أومكرون في العالم بصورة غير مسبوقة ليصبح المتحول الطاغي في انتظار متغير آخر سيأخذ مكانه. الحصيلة الإجمالية للإصابات منذ اندلاع الجائحة وصلت إلى 278 مليون وقد خلفت 5،4 مليون حالة وفاة. ومع انتشار أومكرون في كل القارات تعتبر منظمة الصحة الدولية أن حالات الوفيات سوف ترتفع خاصة في البلدان الفقيرة والنامية.
متغيرات العلاقات الدولية
أثر هذا الوضع السائد في سياسات الدول الداخلية لكنه لم يمنع حصول متغيرات استراتيجية مع دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض. وكان العالم ينتظر طي صفحة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي هز استقرار العالم وفرض على منافسيه وحلفائه سياسته القومية المحافظة. لكن جو بايدن واصل، في عديد الميادين، نفس السياسة خاصة مع حلفائه الأوروبيين وفي مقدمتهم فرنسا. وأقدم جو بايدن، في إطار تغيير استراتيجية بلاده ضد الصين، على فرض تحالف جديد مع بريطانيا العظمى وأستراليا لدعم وجهة الصراع الدولي في منطقتي المحيط الهادي والمحيط الهندي. وبرز الصراع بحدة في المواقف الأمريكية في اجتماع الدول المصنعة السبع وفي مجموعة العشرين حيث عمل جو بايدن على لم شمل «الديمقراطيات» لمقاومة نفوذ البلدان الكبرى مثل الصين وروسيا. كما ركزت الولايات المتحدة الأمريكية على الصراع مع الصين في اجتماع منظمة الحلف الأطلسي من أجل تشكيل تحالف عريض يضمن نجاح استراتيجيتها العدائية.
وشملت هذه المتغيرات منطقة الشرق الأوسط حيث أصبح لكيان «إسرائيل» دور إقليمي واضح فرضته واشنطن عبر تحالف الكيان الصهيوني مع دول الخليج لصد النفوذ الإيراني مع توسع رقعة تدخل الطيران الصهيوني في سوريا ومناطق أخرى تتواجد فيها قوات ومليشيات إيرانية. ودعمت مصر هذا التوجه خلال استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي لرئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينت في القاهرة.
سقوط كابول
وقد شهد العالم في هذا العام سقوط كابول في أيدي حركة طالبان بعد مفاوضات دامت سنتين مع الولايات المتحدة الأمريكية في قطر، بدأت في عهد دونالد ترامب. وفرضت مشاهد دخول طالبان العاصمة الأفغانية وخروج آخر الجنود الأجانب ومعاونيهم الأفغان صورة على مدى فشل السياسات الأمريكية مدة عشرين عاما بعد أن خلعت نظام طالبان لتترك له المجال ثانية لإقامة دولة دينية متطرفة. انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان والشرق الأوسط يمهد إلى تغيير جذري في التدخل الأمريكي في العالم وتضاهي سرعة الخروج من
المنطقة التحديات الجسيمة التي تواجه الإدارة الأمريكية على كل الأصعدة خاصة في مجالات التحركات الدولية ودخول الأسواق العالمية وتطوير الأسلحة والتكنولوجيات الحديثة.
سباق العملاقين
انتهت سنة 2021 على وقع المنافسة الشرسة بين العملاقين الأمريكي والصيني. مفقد نجحت بيكين في تمرير برنامج طرق الحرير الجديدة التي فتحت أمامها مشاريع استثمارية وتنموية في افريقيا وآسيا وأمريكيا اللاتينية و أوروبا. ومن ناحية أخرى استفاقت واشنطن من سباتها بعد أن أصبحت الصين العملاق الثاني في العالم وهي تحاول صد نفوذها وتطويقها في منطقتها الطبيعية الآسيوية. هذا السباق الإستراتيجي أخذ ابعادا جديدة مع دخول بيكين في سباق الفضاء بإرسائها محطة فضائية خاصة بها وإطلاق صاروخ حط فوق المريخ أسبوعا بعد الصاروخ الأمريكي.
ويتمركز الصراع بين واشنطن وبيكين في بحر تايوان التي تعتبرها الصين جزءا من ترابها وتعمل على ضمها إلى الجمهورية الشعبية. لكن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين وأستراليا يعملون على فرض الأمر الواقع باعترافهم باستقلال تايوان. في نهاية الأمر سوف تفرض المصالح المشتركة، وخاصة منها الاقتصادية، الحل النهائي في المنطقة لأن بيكين دعمت في السنة المنقضية قدراتها العسكرية والتكنولوجية بصورة ضخمة تمكنها من فرض توجهاتها في منطقتها الطبيعية.
أوروبا ما بعد ميركل
سجلت سنة 2021 نهاية الحياة السياسية للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد 16 سنة من العطاء على رأس بلادها. وتتجه ألمانيا وأوروبا إلى بلورة عهد ما بعد ميركل لما كان لها من قدرة على فرض الخيارات الألمانية على دول أوروبا. وتحركت فرنسا في اتجاه تحويل النفوذ الأوروبي نحو دول الجنوب بتوقيعها مع إيطاليا في الشهر الماضي اتفاقا استراتيجيا يفتح المجال إلى اندماج الاقتصادين والعمل المشترك في صيغة «محور لاتيني» يكون له وزنه في إطار موازين القوى الجديدة مع رجوع الاشتراكيين إلى الحكم في ألمانيا بقيادة أولافشولتز.
يبقى الإتحاد الأوروبي رهين انقسامات حادة بين الدول الشرقية وباقي الدول الأعضاء بسبب توخي الشرقيين لسياسات «شعبوية» في المجر وبولونيا وجمهورية تشيبك تريد التحرر من القوانين الأوروبية المشتركة. وشرعت المفوضية في فرض عقوبات على بولونيا جراء قرار المحكمة الدستورية عدم التقيد بالقوانين الأوروبية. وسوف تفتتح السنة الجديدة تحت الرئاسة الفرنسية بمشاريع أعلن عنها الرئيس إيمانويل ماكرون تتسم بدعم الاندماج في ميادين القانون والمالية والضرائب وبعث مشروع دفاع أوربي مشترك. ويجد هذا التوجه «الفيدرالي» استحسانا من المستشار الألماني الجديد: لكن باقي الدول عبرت عن تحفظاتها وخشيتها منه.
فرنسا والقارة الإفريقية
الحدث الأهم بالنسبة لفرنسا في علاقتها مع القارة الإفريقية قرار إعادة النظر في مشروع برخان العسكري الذي تعتمده باريس لمقاومة الحركات الإرهابية. وقد شهدت العلاقات الفرنسية المالية تقلبات بعد الانقلاب العسكري الذي قام به الهاشمي غويتا. وعبرت فرنسا عن غضبها من إمكانية تعاقد باماكو مع مجموعة «فاغنار» الروسية من أجل استخدام ميليشياتها. إعادة النظر في انتشار الجيوش الفرنسية في القارة الافريقية صاحبة إعادة انتشارها وتقليص عددها مع التركيز على استهداف قادة الحركات الجهادية في الساحل الإفريقي .وهو ما أتاح خلل عام 2021 للقوات الفرنسية تصفية عدد من الجهاديين في صحراء مالي و في منطقة الحدود الثلاث التي تتمركز فيها مجموعات من المجاهدين.
الملف الساخن الثاني يتعلق بدول المغرب العربي الذي شهد تقلبات أهمها العلاقة مع الجزائر التي شهدت انتكاسة إثر تصريحات إيمانويل ماكرون المتعلقة بدور الجيش في الجزائر واعتبار أنه لم يكن للجزائر لم تكن لها تاريخ خارج عن نطاق الوجود الفرنسي. وهو ما أغضب الجزائر وأدى إلى استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر والسفير الجزائري في باريس. من ناحية أخرى قررت باريس فرض تقليص في عدد التأشيرات الممنوحة بنسبة 50% على المغرب والجزائر و 30% بالنسبة لتونس بسبب «عدم احترام الاتفاقيات» في استقبال المهاجرين غير النظاميين. وإن استجابت تونس للطلب الفرنسي فإن الجزائر والمغرب لا تزالان على نفس مستوى التعامل في ملف المهاجرين الموجودين في فرنسا. ومن البديهي أن باريس تستخدم هذا الملف كورقة ضغط على العاصمتين المغاربيتين لفرض أجندتها بدون توفيق إلى حد الآن.
نمو الشعبوية والفكر الإقصائي
شهد عام 2021 تصاعد الحركات الشعبوية في أوروبا وعمليات التشهير بالعرب والمسلمين. وكانت فرنسا في مقدمة البلدان الأوروبية التي أرست قانونا خاصا بما سمي «الانفصال» والذي يستهدف المسلمين المقيمين في فرنسا أو الذين حصلوا على الجنسية الفرنسية الذين لا يحترمون قوانين الجمهورية ويتمسكون، خاصة في ميدان الأحوال الشخصية، بعلوية الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية الفرنسية. هذا القانون فتح بابا واسعا أمام خطابات العنصرية والكراهية في صفوف قوى اليمين المتطرف. وذهب بعض السياسيين الجمهوريين إلى محاباة المتطرفين باستعمال خطاباتهم على غرار عدد من المرشحين للرئاسة.
هذه الظاهرة التي استفحلت في فرنسا مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية لا تزال تتصاعد في المجر وإيطاليا وبولونيا والنمسا وهولندا وعدد آخر من البلدان الأوروبية التي وضعت مسألة الهجرة والأجانب في مقدمة سياساتها. وذهب الكثير من الفاعلين السياسيين في جل البلدان الأوروبية إلى الخلط بين الإسلاميين المتطرفين والمسلمين في حين تحرص السلطات الفرنسية على احترام المسلمين والتعاون مع القوى المسلمة الحداثية في إطار مقاومة التطرف الديني. وهي تغيير في الموقف الرسمية بدأ هذه السنة وله حض وافر في أخذ مكان بارز في بداية عام 2022 مع انطلاق الحملة الانتخابية الرسمية.
حصيلة عام 2021: من متحولات كورونا إلى تغيرات الإستراتيجيات الدولية سباق أمريكي صيني في الفضاء وفي الأرض.. أوروبا نحو صياغة جديدة لاتحادها
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 10:15 03/01/2022
- 841 عدد المشاهدات
اتسم عام 2021 بدون منازع باجتياح متغيري فيروس كورونا «دلتا» و «أومكرون » الأول منذ أفريل ثم ظهر المتحول الثاني