لبنان وحرائق الأرض والسياسة

يتعرض لبنان في هذه الأيام إلى موجة من الحرائق التي تكاد تقضي على مساحات شاسعة من أراضيه الغابية والخضراء ،

في مشهد مأساوي لا يمكن الا ان ينعكس حزنا وألما على كل من عرف هذا البلد او زاره او أحبه. والمفارقة ان الحرائق التي اشتعلت في جنوب لبنان وقرى المتن ترافقت أيضا مع حرائق من نوع آخر هي حرائق السياسة التي كادت تقضي على علاقات لبنان التقليدية مع الدول الخليجية والتي طالما كانت مصدرا لرفاهية قطاعات واسعة من المجتمع اللبناني .
ولعل المفارقة الأكبر ان تتزامن هذه الحملة من قطع العلاقات بين الدول الخليجية ولبنان وحالة العداء المستفحل مع بدء عودة سوريا الى حضنها العربي وذلك في أعقاب زيارة وزير الخارجية الإماراتي الى العاصمة السورية في الأسبوع الماضي في أول خطوة من نوعها لمسؤول إماراتي رفيع الى دمشق منذ قطع دول خليجية عدة لعلاقاتها الدبلوماسية .
والجدير بالذكر انه بعيد اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، علّقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا، كما قطعت دول عربية عدة علاقاتها مع دمشق من بينها الإمارات، فيما أبقت دول أخرى بينها الأردن على اتصالات محدودة بين الطرفين. وشكّلت سلطنة عمان استثناء بين الدول الخليجية. اليوم هل تغيرت وجهة هذا العداء صوب بيروت التي تعيش أحلك فتراتها التاريخية كما تعرف منعرجا صعبا لا مثيل له. فبلد الأرز يعاني من انهيار مالي واقتصادي ترافق مع حصار خليجي في محاولة لفرض العزلة على هذا البلد الذي ظل الشوكة الوحيدة في وجه العدو الصهيوني الذي يجثم على حدوده الجنوبية مباشرة ويتربص به وبأرضه وبترابه وبمائه وحتى بنفطه المكتشف حديثا في أعماق البحر .
وفي آخر التصريحات المثيرة قال وزير الخارجية السعودي إن المملكة لا تعتزم التعامل مع الحكومة اللبنانية حاليا، مكررا دعوة الطبقة السياسية إلى إنهاء «هيمنة» جماعة حزب الله اللبنانية على حد قوله . وأضاف وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في حوار في مقابلة أذيعت ، «لا نرى أي فائدة من التواصل مع الحكومة اللبنانية في هذه المرحلة الزمنية».
وقد رأى عديد المتابعين بأن الموقف السعودي مبالغ به وهو أكبر من مجرد ردة فعل إزاء تصريحات وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي والتي كان قد أدلى بها قبل ان يصبح وزيرا للإعلام وقبل ان يفرض عليه منصبه السياسي الجديد مبدأ الحياد الإيجابي للحفاظ على افضل العلاقات مع دول الجوار . ولكن بات جليا -اليوم- وجود قرار وإرادة خارجية لنقل الصراع التاريخي المتجدد بين الدول الخليجية وايران الى لبنان. وتزداد المخاوف من ان يتحول لبنان الى «يمن» أخرى من خلال اندلاع حرب صامتة دبلوماسية لا احد يعلم الى اين ستؤدي أو متى ستنتهي وذلك في ظل غياب أية حكمة دبلوماسية في هذا الزمن الصعب عربيا ودوليا .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115