مؤسسة الكنيسة الفرنسية تعترف بمسؤوليتها في الاعتداءات الجنسية على الأطفال: تكوين هيئة مستقلة لمرافقة وتعويض الضحايا

أصدرت الجمعية العامة لأساقفة فرنسا الذين يجتمعون في مدينة لورد يوم 8 نوفمبر 2021 بيانا اعترفت فيه ب «مسؤولية المؤسسة

في الاعتداءات الجنسية داخل دور العبادة ضد أطفال قصر وكهول من ذوي الاحتياجات الخاصة».
وقام 120 أسقف بتقديم «اعتذارات الكنيسة» وطلبوا «الشفاعة الإلهية» مما اعتبره رئيس المجلس «عنفا له بعد نظامي» لم يقم به أفراد فحسب، بل «أصبح ممكنا بحكم الظرف العام» الذي يدخل فيه «النظام الداخلي والعقليات والممارسات داخل الكنيسة الكاثوليكية التي سمحت بحصول تلك الأعمال دون منعها والتنديد بها ومعاقبتها.» وهو ما يفضي حتما إلى «واجب العدل والتعويض» على تلك الإعتداءات.
تقرير تاريخي صادم
وكانت الكنيسة الفرنسية قد شكلت، تحت ضغط كبير من الضحايا ووسائل الإعلام، لجنة مستقلة ترأسها جون مارك سوفيه الذي قدم تقريرا يوم 5 أكتوبر الماضي في 485 صفحة و2500 صفحة من الملاحق عددت الانتهاكات الجنسية لمدة 70 سنة داخل دور العبادة ودور التدريس التابعة للكنيسة الكاثوليكية في فرنسا. وذكر التقرير أن حوالي 216000 طفل تم الاعتداء عليهم جنسيا من قبل حوالي 3000 رجل دين.وذكر التقرير أن العدد الجملي للضحايا يرتفع إلى 330000 حالة اعتداء جنسي على القصر إذا تم ضم الحالات التي قام بها أشخاص موظفون في المدارس والمطاعم والمبيتات والجمعيات التابعة للكنيسة.
وكان للتقرير تأثير عميق في الرأي العام الفرنسي المتدين وغير المتدين. لكن عديد الأصوات في وسائل الإعلام شككت في قدرة الكنيسة على تخطي هذه الأزمة وطي صفحة الماضي. ولوحظ الأسبوع الماضي على قناة فرانس 2 بث قداس كاثوليكي أشرف عليه رجل دين ورد اسمه في قائمة رجال الدين الذين قاموا باعتداءات جنسية. وهو ما يدل على صعوبة التغيير من داخل المؤسسة.
هيئة مستقلة لتعويض الضحايا
وقرر مؤتمر لورد تشكيل هيئة مستقلة تحت رئاسة القاضية ماري دوران فوكريسون ، والتي شغلت خطة قاضية مدافعة عن حقوق الأطفال بين 2011 و2014. وقد منحت لها الكنيسة حرية اختيار الأعضاء وضبط قانونها الداخلي وسبل ادارة أعمالها. وسوف تقوم الهيئة بالاعتراف» بحالات الاعتداء الجنسي وضبط مقادير التعويضات المالية لكل شخص على حدة. وسوف يسمح للهيئة القيام بدور الوسيط بين الضحايا والمؤسسات الدينية من أجل الحصول على معلومات والتثبت في الهويات واكتشاف حالات عنف إضافية إذا ما اقتضت الحاجة ذلك.
وسوف تؤسس الكنيسة «صندوق إغاثة ومقاومة الاعتداءات على القصر» ترصد فيه الأموال التي تحتاجها هيئة التعويضات لفائدة الضحايا. وذكر المسؤول في الكنيسة الفرنسية عن المالية أمبرواز لوران أن الأساقفة والمؤمنين أودعوا في الصندوق 500 ألف يورو كدفعة أولى. وأوضح رئيس المجمع الكاثوليكي أنه لن يطلب من العموم المشاركة في التعويضات، كما راج في وسائل الإعلام، بل إن الكنيسة سوف تخصص الأموال اللازمة لتعويض كل الضحايا وإذا لزم الأمر بيع بعض السندات والمحلات التابعة لها. وقدر المسؤول المالي ميزانية الهيئة بمقدار 500 مليون يورو وهي مداخيل الكنيسة السنوي.
مستقبل الكنيسة في الميزان
تدخل الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا بعد هذا المنعرج التاريخي في مرحلة «إصلاح ما يصعب إصلاحه». وسوف تدرس المقترحات العديدة التي تضمنها تقرير «سوفيه» من أجل بلورتها في إجراءات عملية لتخطي الأزمة. لكن بعض الضحايا شككوا في قدرة الكنيسة على بلورة خطاب نزيه وأعمال لا تشوبها مراوغات ومحاولات الهروب من العقاب. أما رئيس مؤتمر أساقفة فرنسا إريك دي موىنس بوفور فقد أكد على أن الكنيسة «فهمت أنه من واجبها مواصلة العمل التي بدأت به» من أجل اصلاح «النظام الكنيسي وتفادي الاختلالات التي سمحت بإخفاء تلك الأعمال عن البصر والسمع».
ستكون الطريق محفوفة بالأشواك سوف تخوض في مسائل عدة منها كيفية معاقبة الجناة في ظروف يطالب فيها الضحايا بإقصائهم من الكنيسة. ولكن المسائل الشائكة تتعدى مسألة العقاب لتضم قضية عزوبية رجال الدين والسماح لهم بالزواج كما هو الحال في الكنيسة البروتستنتية. وهي مسألة غير مطروحة في الكنيسة الفرنسية ولا يمكن للأساقفة وحدهم البت فيها بعيدا عن تدخل الفاتيكان. أما ما تقدر عليه إدارة الكنيسة فهو التصدي لنظام الصمت والتعتيم علىالاعتداءات والنظر في حوكمة دور العبادة والمؤسسات التربوية وإعادة هيكلتها مع إرساء رقابة داخلية وخارجية لحماية الأطفال وغيرهم من الأشخاص الذين يترددون على دور العبادة في فرنسا. ما تضفي إليه قرارات الكنيسة في فرنسا سوف يكون له بدون شك صدى عميق في باقي البلدان الكاثوليكية لما لحجم الفضيحة من ناحية وعزم الأساقفة الشرفاء على تنظيف البيت من الداخل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115