إعصار في قلب الكنيسة الفرنسية: حسب تقرير مستقل 216 ألف اعتداء جنسي ضد الأطفال داخل دور العبادة

انفجرت يوم الثلاثاء 5 أكتوبر قنبلة موقوتة في الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية إثر تقديم التقرير الذي أعدته الهيئة المستقلة حول

الاعتداءات الجنسية في الكنيسة وقد شكل الهيئة إريك دي مولانس بوفور، رئيس هيئة أساقفة فرنسا، منذ حوالي ثلاث سنوات للبحث في مسألة الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال داخل دور العبادة. هذا التقرير كان بمثابة الاعصار الذي هز كيانها.
ورد التقرير في سبع مجلدات احتوت على 485 صفحة و2500 صفحة من الملاحق وهو ثمرة بحوث في الأرشيف التابع للكنيسة وللمكتبات العمومية والصحف في الفترة بين 1950 و2000. وتم تكليف هيئة مستقلة، ترأسها جون مارك سوفيه نائب رئيس مجلس الدولة السابق وكانت مشكلة من 22شخصية تنتمي إلى ديانات مختلفة وكفاءات معروفة بنزاهتها وقد عملت على سماع المتضررين وضحايا الاعتداءات الجنسية بكل أنواعها وسماع ذويهم وقامت ببحوث في الملفات الموجودة في أرشيف الكنيسة وفي وزارة الداخلية ووزارة العدل والمكتبات والصحف. وبعد التثبت في كل المعطيات أوردت نتائج البحوث مصحوبة بجملة من التوصيات.
صاعقة من النوع الثقيل
وراجت في الأسبوع الماضي أخبار مسربة حول قتامة التقرير وخطورة محتواه على الكنيسة. ونزلت مخرجاته كالزلزال على كل الكنائس الفرنسية ووصلت ارتداداته الى فاتيكان روما حيث عبر البابا فرنسيس عن «حزن عميق» أمام هذا «الواقع المخيف» الذي تم التصريح به في باريس. يشير التقرير إلى أن حوالي 216000 طفل تم الاعتداء عليهم جنسيا من قبل رجال دين في دور العبادة الكاثوليكية لمدة 70 سنة ولم تنقطع الاعتداءات إلى حد اليوم هذا. وذكر التقرير أن هذا العدد الجملي يرتفع إلى 330000 حالة اعتداء جنسي على القصر إذا ما تم ضم حالات الاعتداء التي قام بها أشخاص موظفون في المدارس والمطاعم والمبيتات والجمعيات التابعة للكنيسة.
وقيم التقرير عدد رجال الدين الذين مارسوا «الإجرام الجنسي» على القصر بين 2900 و3200 مسؤولا دينيا. وهي أرقام تدل على حجم الكارثة المسكوت عنها منذ عقود وهي ظاهرة تهز أركان المسيحية في كل قارات العالم. وكان البابا فرنسيس قد اتخذ قرارات عزل لبعض الأساقفة في صلب الفاتيكان وفي أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان. ولازال البابا يعاني إلى حد اليوم من «تكتم» المؤسسة الدينية وعدم رغبة المسؤولين فيها في طرح هذه المسألة رغم حرصه على تنقية الكنيسة من هذه الآفة.
تحديد المسؤوليات والتعويضات
قدر حجم الفظاعات المرتكبة في الكنائس والمباني التابعة لها بـ3% من جملة رجال الدين. وأشارت التقديرات إلى أن نسبة كبيرة من المواطنين الفرنسيين، باعتبار 28000 شخص كأنموذج للبحوث، تم الاعتداء عليهم جنسيا ويصل هذا العدد إلى حوالي 6 ملايين ونصف من الفرنسيين منذ 1950. أمام هذا العدد الذي تم تداوله صرح رئيس هيئة أساقفة فرنسا عند تلقيه التقرير أن هذا العدد «يديننا ولم نكن نتوقعه بهذا الحجم». وأضاف قائلا: «أشعر بالعار والرهبة وأقدم اعتذاري وأعلن عن عزمي على التحرك» لمقاومة هذه الظاهرة. أما زميلته فيرونيك مارغرون، رئيسة مؤتمر نساء ورجال الدين في فرنسا، فقد عبرت هي الأخرى عن شعورها بـ«العار» وعن «سخط مطلق». أما جون مارك سوفيه فقد اعتبر أن الأرقام صادمة وأنه لا يمكن أن تبقى دون نتائج. وطالب الكنيسة أن «تأخذ مسؤوليتها» خاصة أن التقرير لم يتعلق بتحديد المسؤوليات الشخصية فقط بل أنه أظهر عمق «التستر» وإخفاق الحقيقة والهروب من المسؤولية التي شجعت عليه المؤسسة الدينية.
وطالب رئيس اللجنة بإصلاحات عميقة وعاجلة في صلب الكنيسة والعمل على تعويض الضحايا وإيجاد آليات لمنع حصول مثل هذه الانتهاكات. وركز على ضرورة تغيير الحوكمة داخل الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا. بعيدا عن الجدل الحاصل في الرأي العام الفرنسي الذي يطالب بإجراءات من قبل الكنيسة شكك البعض في قابلية المؤسسة الدينية على إصلاح نفسها من ذلك أنها طالما حاولت فرض مبادئها الأخلاقية على النساء والرجال في مسألة العلاقات الجنسية خارج الزواج في حين ترتضي لنفسها الاعتداء الجنسي على القصر والذي يمس 16% من البنات و4% من الذكور في فرنسا، حسب التقارير الرسمية. وقد رفضت الكنيسة مبدأ «التعويض» واستبدلته بعبارة «المساهمة» مع مطالبة المؤمنين بالمساهمة ماليا مع الكنيسة في تلك العملية.
ويجد البابا فرنسيس صعوبة في فرض احترام الحرمة الجسدية داخل الفاتيكان وفي الكنائس الكاثوليكية في العالم، فكيف يمكن للكنيسة الفرنسية أن تغير ما بنفسها دون إرادة جماعية صلبة تمكنها من الاستمرار في مهامها في مجتمع لائكي أصبح يدير ظهره عن الطقوس الدينية أكثر من قبل؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115