هذه العملية التي أطلق عليها العدو اسم «عملية الساق الخشبية» ، لا تزال حاضرة في ذاكرة التونسيين والفلسطينيين رغم مرور 36 عاما. فقد اختلط فيها الدم الفلسطيني بالدم التونسي في لحظة تاريخية فاصلة حيث أوقعت الضربة 68 شهيدا وأكثر من 100 جريح من فلسطينيين وتونسيين، إضافة إلى تدمير مقر القيادة الفلسطينية .
ولعل استذكار هذا الوجع الفلسطيني التونسي يأتي ليؤكد على حجم غطرسة واجرام العدو الإسرائيلي الذي لم يتورع عن استهداف سيادة تونس لتحقيق أهدافه تحت شعار «الدفاع عن النفس». وقد خاضت الدبلوماسية التونسية بعد هذه الضربة ، معارك ضارية لمحاكمة «إسرائيل» في المحافل الدولية وفي الأمم المتحدة. وتمكنت يوم 4 أكتوبر 1985، من استصدار القرار عدد 573 من مجلس الأمن الذي يدين «إسرائيل» ويندد بعدوانها الغاشم على أراضيها. وهو الحدث الذي مثّل انتصارا كبيرا لتونس ولدبلوماسيتها وللعرب بشكل عام لكونه الأول من نوعه خاصة ان امتناع الولايات المتحدة عن التصويت وعن استعمال الفيتو ضد القرار ساهم في اخراجه الى النور . وأهم ما جاء فيه :«أن مجلس الأمن يدين بقوة العدوان المسلح الذي اقترفته إسرائيل على الأراضي التونسية، في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة و القانون وقواعد السلوك الدوليين. ويطالب أن تمتنع إسرائيل عن اقتراف أعمال عدوانية مماثلة أو التهديد باقترافها.»
ويحثّ الدول الأعضاء على أن تتخذ تدابير لثنيها عن اللجوء إلى مثل هذه الأعمال ضد سيادة جميع الدول وسلامتها الإقليمية».
واليوم في زمن التطبيع العربي مع الصهاينة تأتي هذه الحادثة الأليمة لتنبش في صخور الذاكرة الجماعية للشعبين التونسي والفلسطيني وتؤكد على عمق العلاقات التي تجلّت في الدماء الطاهرة التي نزفت على ارض الخضراء قبل سنوات. وهي دلالة على ان اجرام الاحتلال قادر ان يطال أي شبر من العالم العربي حتى لو كان في اقصى المغرب .
اليوم الدرس الأهم الذي يمكن استنتاجه من كل ما حدث طيلة العقود الماضية، ان «إسرائيل» صنعت دولتها المزعومة بجماجم الشهداء من الفلسطينيين والتونسيين واللبنانيين وغيرهم . وان مؤامراتها لا تقف عند حدود وهذا ما يدفع شعوب المنطقة إلى حتمية مواصلة النضال الثقافي والفكري وحتى الدبلوماسي وغيره لكشف حقيقة هذا العدو المغتصب لأرض غيره عنوة والتأكيد بان الحقوق الفلسطينية لا تسقط بالتقادم.
إحياء ذكرى الشهداء الفلسطينيين والتونسيين، يكون بمواصلة النضال الأسمى في وجه هذا الكيان المحتل .