تحالف «اوكوس» يكشف عن إستراتيجية أمريكية جديدة: أي مستقبل للعلاقات الأمريكية -الأوروبية بعد الأزمة مع باريس ؟

مثل اجتماع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي فرصة سانحة لكل من واشنطن وباريس من أجل محاولة

إعادة إرساء الثقة بين البلدين لتجاوز الأزمة الدبلوماسية بينهما أو ما سمي بأزمة الغواصات .
فقد التقى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن خلال اجتماع ثنائي في مقرّ الأمم المتّحدة في نيويورك أكدا خلاله على أنّ الخروج من الأزمة بين بلديهما بسبب قضية الغوّاصات الأسترالية يتطلّب «وقتاً» و»أفعالاً».
خفايا الخلاف وجذوره
تحيلنا هذه المستجدات إلى خفايا وجذور الخلاف بين الدبلوماسيتين الفرنسية والأمريكية، في علاقة بعديد الملفات الساخنة منذ الرفض الفرنسي لحرب العراق عام 2003 ثم الانسحاب الأمريكي الآحادي من أفغانستان -دون استشارة الحلفاء الأوربيين- وصولا إلى تأسيس ما سمي بـ«اتفاق أوكوس» مع استراليا وبريطانيا ، بما يؤكّد بأنّ أمريكا تتوجّه لتعزيز مصالحها بعيدا عن فرنسا والمجموعة الأوروبية بشكل عام.
وقد عمّق هذا التحالف الخلاف وقد أقرّت الولايات المتحدة بأن حل الأزمة مع باريس سيستغرق وقتا متعهدة بالانتقال من الأقوال إلى «الأفعال» . وفي آخر مكالمة هاتفية جمعت بايدن بنظيره الفرنسي أعلن في ختامها الرئيسان عن «التزامهما» بإعادة إرساء الثقة بين بلديهما بعد معضلة الغواصات الأسترالية.
يشار الى ان وزير الخارجية الأمريكي بلينكن كان قد صرح في مؤتمر صحافي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بأن بلاده «تدرك أن هذا سيتطلب وقتا وعملا دؤوبا، ولن يُترجَم ببياناتٍ فحسب، بل أيضا بأفعال». كما تعهّد الرجل بالعمل على إعادة بناء الثقة مع فرنسا، وقال «أنا مقتنع بأن مصالحنا معًا قوية جدا، والقيم التي نتشاركها لا تتزعزع، وسوف نمضي قدمًا وننجز عملا جيدا، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت وسيتطلب عملا شاقا».
توجه أمريكي جديد
ويرى عديد المراقبين بأن هذه الأزمة تسلّط الضوء على استراتيجية أمريكا القائمة على تأمين مصالحها بمعزل عن حلفائها تحت شعار « امريكا اولا» . فصفقة الغواصات النووية بين الولايات المتحدة واستراليا وبريطانيا تخفي في طياتها استراتيجية متكاملة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في اطار الصراع مع الصين هناك وذلك بمعزل عن الرؤية الأوروبية التي تمثلها فرنسا. كما برهنت عن جنوح أمريكا نحو تأسيس تحالفات جديدة بعيدا عن حفائها الأوربيين التقليديين في إطار منافستها المفتوحة مع بكين في مختلف المجالات .
ولعل انسحاب بايدن من أفغانستان كشف عن هذا التوجه الأمريكي الانفرادي والذي جعل فرنسا تخسر 50 مليار دولار أسترالي بسبب إلغاء صفة الغواصات .
وفي خضم ذلك أكد الاتحاد الأوروبي على التزامه بخطط توسيع التعاون عبر الأطلسي رغم زعزعة الثقة الناجمة عن اتفاق الدفاع الذي أبرم خلف ظهره بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا. وأعلنت نائبة رئيس الاتحاد الأوروبي مارغريت فيستاغر انها ستتوجه إلى بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا الأسبوع المقبل لإجراء محادثات رفيعة المستوى كما هو مخطط. وقالت إن «التحالفات الإستراتيجية تدور حول تشكيل نهج مشترك والتغلب على الصعوبات». وتتعرض محادثات السياسة التجارية والتكنولوجية بين التكتل والولايات المتحدة إلى خطر التأجيل بسبب الخلاف.
ومن المتوقع أن تركز المحادثات بشكل خاص على العراقيل الحالية في إمدادات أشباه المواصلات، والتي تعتبر مهمة للعديد من القطاعات الصناعية. جميع هذه التطورات تنبئ بتشكل نظام دولي جديد وفق التصورات الأمريكية ووفق علاقاتها مع المجموعة الأوروبية وحلفائها الجدد في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. والسؤال اليوم ما التغييرات التي ستحصل في أوروبا؟ وكيف ستكون علاقتها مع الولايات المتحدة في عديد الملفات الصعبة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115