وللشهادة الصحية التي فرضتها الحكومة لزيارة الأماكن العامة مثل المقاهي والمطاعم والمسارح ودور الثقافة والمحلات التجارية وغيرها من الأماكن التي تستضيف الزوار. يوم السبت الماضي تظاهر أكثر من 175 ألف شخص، أغلبهم دون كمامات، في جل المدن الكبرى الفرنسية وفي 220 تجمعا للمطالبة بالتخلي عن الشهادة الصحية. وتخللت المظاهرات أعمال عنف وتخريب كتلك التي وقعت يوم السبت الماضي في مدينة مونبيليي بين متظاهرين من اليسار ومن اليمين المتطرف.
وقد احتج المتظاهرون كل يوم سبت خلال موسم الصيف كما قام بذلك حراك السترات الصفراء في العام الماضي. وكان الرئيس إيمانويل ماكرون قد أصدر قانونا صادق عليه البرلمان الفرنسي من أجل فرض قبول الأشخاص الذين استكملوا لقاحاتهم في الأماكن العمومية لمنع انتشار سلالة دلتا من الفيروس وحمل المتقاعسين على الإقدام على التطعيم دون إجبارهم قانونيا على ذلك.في المقابل، أقر ماكرون بإجبار العاملين في القطاع الصحي على التلقيح ضد كوفيد 19 ولاقى معارضة من بعض الفئات في طليعتها الممرضين والممرضات. وحسب الإحصائيات الرسمية للمستشفيات وصلت نسبة الملقحين في صفوف العاملين في قطاع الصحة إلى 80% وتبقى لمن لم يلقحوا بعد مهلة إلى آخر شهر سبتمبر القادم.
عزم رئاسي على إنجاح حملة التطعيم ضد فيروس كورونا
بعد أن أعلن ماكرون «الحرب على كوفيد 19» في بداية الجائحة وبعد تعثر الخطوات الأولى لمقاومة انتشار الفيروس، تطورت خطة المقاومة الصحية مع توفر اللقاحات و تعددت الإجراءات الصحية والتنظيمية لتشمل إرساء نظام الشهادة الصحية التي تمكن الأشخاص الذين استكملوا مراحل التطعيم من استغلال الفضاءات العامة التي تبقى ممنوعة على من لم يقبل على التلقيح. وقد أغضبت هذه الخطوة فئات متعددة من الشعب التي طالبت بإلغاء القانون وبعدم اجبار الناس على التطعيم. لكن الرئيس ماكرون واجههم بسياسة حازمة وكرر عزمه على «عدم التراجع أمام العنف الراديكالي» الذي أظهرته تلك الفئات المعارضة للتلقيح.
وأكد ماكرون منذ بداية شهر أوت أن «كل شخص حر في التعبير بهدوء» مضيفا بتهكم أنه «فيما فهمت من أمر الفيروس ليست هنالك أي نجاعة في التظاهر ضده». واعتبر أن الخطوات التي تقوم بها الحكومة ترمي إلى حماية المواطنين وأن «التظاهر ضد الشهادة الصحية خطر على الديمقراطية لآن المتظاهرين ينددون بوجود النظام الديمقراطي.» وأظهر آخر سبر للآراء لمؤسسة «إيفوب» نشرته جريدة «لوجورنال دي ديمونش» أن عدد المساندين للمعارضين لا يفوق 34% وهو رقم مستقر منذ خمسة أسابيع. وأشارت المؤسسة أن 57% من الأشخاص المستجوبين يساندون الشهادة الصحية وأن 72% من المستجوبين يرغبون في التطعيم.
وتولى أعضاء الحكومة سياسة الدفاع عن عمليات التطعيم وتفسير محاسن ذلك من أجل حماية المواطنين. وذكرت وزارة الصحة أن47 مليون شخص تلقوا التطعيم الأول في حدود هذا الأسبوع وأن نسبة الملقحين وصلت 73،9% من الأشخاص المرشحين للتطعيم، حسب الإحصائيات الحكومية. وكرر أعضاء الحكومة والرئيس ماكرون فكرة أن «الأزمة الصحية ليست خلفنا» بل يجب مواصلة حملة التلقيح للاقتراب من نسب المناعة الجماعية خاصة أن بعض المناطق لا تزال مهددة و أن الفيروس ينتشر بصورة مقلقة في جزر ما وراء البحار حيث تم فرض الحجر الصحي لمقاومة الجائحة. وأعلن في هذا الصدد وزير التربية جون ميشال بلونكار بالنسبة للتلاميذ مواصلة حملة التطعيم قبل بداية السنة الدراسية وخلالها في المؤسسات التربوية. ولن يكون ضروريا الإستظهار بالشهادة الصحية لمتابعة الدراسة. أما الأستاذ ألان فيشر رئيس مجلس توجيه إستراتيجية التلقيح فقد اعتبر أن التوصل إلى المناعة الجماعية «ممكن» مع تمكين 90 % من المواطنين من التلقيح في بداية الخريف.
معارضون من الشتات
شهدت المظاهرات في المدن الفرنسية وجود شتات مفتوح على المعارضين للشهادة الصحية ولعمليات التلقيح ومعارضين سياسيين من اليمين المتطرف و من اليسار الراديكالي و من حراك السترات الصفراء ومن مروجي فكرة المؤامرة و كل من أعلن «كرهه لماكرون». ولوحظ في المظاهرات تواجد عدد كبير من الشباب ومن العاطلين عن العمل ومن الفئات الشعبية. وانضمّت إلى الفئات المختلفة وجوه من الناشطين على صفحات التواصل الاجتماعي وبعض «المؤثرين» والعاملين في قطاع الصحة. وتريد هذه الأقلية العددية فرض فكرة ظهورها في وسائل الإعلام كعربون لكونها تشكل الأغلبية في خطوة شعبوية واضحة التحقت بها تنظيمات سياسية مثل التجمع الوطني المتطرف وحزب «لا فرانس أنسوميز» اليساري. وتخللت بعض المظاهرات لافتات معادية للسامية ركزت على مقارنة الحملة الصحية بالنازية والدكتاتورية. هذا الخليط غير المنسجم فكريا وسياسيا من المعارضين لسياسات إيمانويل ماكرون لم يتمكن من جلب أعداد غفيرة، بل أخذ في التقهقر من أسبوع لآخر. وبدأ يخسر شيئا فشيئا مساندة الرأي العام مع إقبال أعداد كبيرة من المواطنين على عمليات التلقيح.
الموسم الإنتخابي في الأفق
تواجد وجوه من اليسار الراديكالي ومن اليمين المتطرف وبعض المرشحين للرئاسة لعام 2022 يظهر تشابك المصالح في التعبير عن معارضة حملات التطعيم ضد كورونا مع المعارضة لشخص الرئيس إيمانويل ماكرون. مساندة 72% من الفرنسيين لحملة التلقيح يترك المعارضين في التسلل. لكن أعضاء الحكومة أعلنوا أنهم يراقبون الوضع الأمني وأن نجاح حملة التطعيم ضد كوفيد 19 هي الضمان الأساسي لدخول مرحلة «اختيار الرئيس» التي سوف تفتح مع بداية عام 2022. وهو دليل على أن المعارضة المدوية الحالية لها بعد سياسي واضح وأن الرئيس ماكرون الذي لم يعلن بعد عن نيته للترشح لولاية ثانية يعمل على إنجاح الخطة الصحية بعد أن نجح في حماية اقتصاد البلاد من الانهيار.
مع تصاعد أرقام التلقيح وانخفاض حدة الأزمة الصحية - ولو نسبيا – وانفراج إجراءات الحجر الصحي، تطور الرأي العام الذي أصبح يعي أكثر من قبل خطورة الوضع الصحي ونجاعة الإجراءات الحامية لمواطن الشغل ولدخل العملة والموظفين خلال الأزمة. وهو ما أكده سبر الآراء الذي نشرته هذا الأسبوع جريدة «لو جورنال دي ديمونش» والذي أشار إلى أن نسبة المرتاحين لسياسة ماكرون ارتفع إلى 41% وهي أعلى نسبة يحظى بها رئيس دولة في آخر سنة من ولايته مقارنة بما حققه نيكولا ساركوزي في نفس الوقت (33%) وكذلك فرنسوا هولاند (16%). الخارطة السياسية الحالية تفتح بابا عريضا أمام إيمانويل ماكرون في مشهد مختلط تشقه اختلافات وسياسات متناقضة تترك له مجالا لتدعيم حظه في النجاح إذا قرّر الترشح مجدّدا بالرغم من المعارضة الشرسة التي يلقاها من بعض الجهات السياسية.
إيمانويل ماكرون في مواجهة معارضي اللقاح ضد فيروس كورونا: مجموعات «تكره ماكرون» تخلف السترات الصفراء في مظاهرات يوم السبت الدورية
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 10:29 24/08/2021
- 639 عدد المشاهدات
خلال ستة أسابيع متتالية نظمت مجموعات من مختلف الانتماءات السياسية و الفكرية مظاهرات ضمت معارضين للتلقيح ضد فيروس كورونا