وعلى ملامح الاستراتيجية الأمريكية القادمة في الشرق الأوسط في ظل التحولات الدائرة . ويتطرق الكاتب والمحلل السياسي اللبناني عبد الوهاب بدرخان في هذا الحديث لـ«المغرب» الى دلالات هذا الانسحاب وتداعياته على المنطقة أمنيا وسياسيا .
• اولا ما قراءتكم للتحولات في المنطقة بعد الانسحاب الأمريكي من افغانستان؟
اعتقد أنه يمكن قراءة التحولات بعد الانسحاب الأمريكي، في اتجاهيين، الأول ماالذي يعنيه هذا الانسحاب للعالم وللمنطقة وللإقليم. ويتعلق الثاني بدراسة معنى سيطرة طالبان وهي حركة دينية سياسية ليست لديها تجربة كبيرة في ادارة الدول او في ادارة الاقتصاد .
بالنسبة الى المنحى الأول وهو الإنسحاب الأمريكي في حد ذاته، فقد أعطى انطباعا للعالم أجمع بأن الولايات المتحدة في تراجع وبأنها تنسحب من هذه المنطقة تمهيدا لانسحابات أخرى وبنفس الوقت تعطي مجالا لدول أخرى كي تملأ الفراغ. وهذه الدول ليست لديها نماذج معروفة باحترامها لحقوق الانسان ولمصالح الشعوب. فهي تتعامل مع السلطة في هذه الدولة حتى لو كانت استبدادية ودكتاتورية، فقط لأنها تبحث عن مصالحها. الولايات المتحدة كانت على الأقل -حتى لو لم تنجح في ذلك - تطرح مسألة تحسين الوضع السياسي ونوعية النظام الحاكم ، لكنها اصطدمت في أكثر من مكان -لا فقط في افغانستان بل وايضا في العراق ودول أخرى-، بمنظومات فساد عطلت فعلا تحقيق الأهداف التي كانت على الأقل تدافع عنها في تنفيذ مواقفها الرسمية وفي سياساتها المعلنة . اما بالنسبة لسيطرة طالبان فالكل متخوف من هذه الحركة لأنها في تجربتها السابقة لم تكن تحترم معايير الحكم الرشيد ولا معايير الحكومات التي تعمل من أجل المصلحة العامة. بل قدمت نسخة عن الدول كما كانت في بدايات الاسلام ولو بدون الكفاءة التي كانت لدى الخلفاء الراشدين ولا المكانة الدينية ولا السياسية، لكنها فرضت نفسها بحكم أن الأطراف الأخرى التي كانت موجودة على الساحة السياسية في أفغانستان مضت في تناحراتها الى مالا نهاية .
الآن ماالذي ستفعله طالبان... العالم كله يتساءل ويحاول أن يمرر لها الرسائل لكي يرشدها الى بعض المعايير المطلوبة للاعتراف بها او للتعامل معها ، وهذا متروك للتجربة والاختبار . علما بأن طالبان أرسلت اشارات كثيرة الى أنها تغيرت وهذا ما سيبقى محور اختبار وترقب من قبل الجميع .
• في اعتقادكم هل كانت الإدارة الأمريكية تتوقع سيناريو سيطرة طالبان وعودتها بقوة الى كابول؟
الولايات المتحدة لم تتوقع سيطرة طالبان، وكانت تحاول ان تضع نوعا من خارطة الطريق لتنظيم المسألة بين الانسحاب الأمريكي وعودة طالبان الى كابول. لكن حركة طالبان لم تجار الأمريكيين في المفاوضات بهذا المنحى لأنها تريد أن تفرض شروطها وتستعيد الحكم على طريقتها . ولم تكن الولايات المتحدة معارضة لهذا التوجه لأنها كانت تريد أن تنجز انسحابا لقواتها ولقوات حلف الأطلسي دون أية ازعاجات أمنية واضحة بحيث لا يكون هناك ضحايا او قتلى من الجنود . في الوقت نفسه واضح ان الولايات المتحدة حاولت -ولم تستطع- أن تتفاهم مع طالبان على مبادئ معينة لما بعد الانسحاب ومصير الحكومة والجيش الأفغانيين. لكنها اكتفت بأن تحقق مصلحتها وان تقول انها انتزعت تعهدات من طالبان أولا لأنها لن تسمح بأن تكون افغانستان ملاذا للجماعات الارهابية. وثانيا بأنها ستحترم حقوق المرأة والأقليات وهذا متروك للأفعال لا للأقوال التي ستطلقها طالبان حاليا. حتى وان تبين أن كثيرا من التقارير التي كتبت في الأيام الماضية بأن الاستخبارات نبهت الإدارة الأمريكية الى انه سيحدث نوع من الفشل في تحقيق انسحاب منظم وبإبقاء بعض المكاسب التي تحققت لأفغانستان وللأفغان خلال العشرين عاما الماضية . ولم تأبه الادارة لهذه التقارير خصوصا أنها نبهت أيضا الى ان الجيش الأفغاني الذي بنته الولايات المتحدة سينهار ولن يستطيع مقاومة طالبان لأسباب عملية وتقنية. اذ لم يكن هذا الجيش قد تلقى الأوامر بأن يقاوم التقدم الطالباني ولم يصله الدعم اللوجستي اللازم لذلك.
• في رأيكم هل سيتكرر هذا السيناريو في العراق ؟
لا أعتقد بأن الولايات المتحدة ستكرر نفس السيناريو في العراق لأن الوضعية هناك تختلف فالولايات المتحدة ليست في وضعية احتلال كما كانت قبل عام 2011 ، بل هي مدعوة من الحكومة العراقية لتقوم بدور أساسي وهو مكافحة الارهاب وتأهيل الجيش وأجهزة مكافحة الارهاب والأجهزة الأمنية كافة . في الوقت نفسه، الوضع في العراق مختلف لوجود صراع مع ايران والميليشيات الموالية لإيران التي تخوض نوعا من الحرب على القوات الأمريكية بغية ارغامها على الانسحاب. ويوجد حاليا اتفاق رسمي بين الدولتين حتى تغادر القوات المقاتلة العراق نهاية السنة وتبقى هناك فقط قوات وخبراء للتدريب والتأهيل وما الى ذلك. ورغم هذا الاتفاق توجد تحرشات من الميليشيات واعتقد ان هذا الصراع الايراني الأمريكي قد يشتد في المرحلة المقبلة لأن ايران قد ترغب في انتصار طالبان على الأمريكيين في افغانستان كنوع من تعزيز لمنطقها القائم على طرد الوجود الأمريكي من المنطقة. وستعمل في نفس الوقت على تعزيز نفوذها في كل مكان توجد فيه حاليا، من سوريا الى لبنان واليمن وحتى فلسطين من خلال حماس . اما ان يكون هناك انسحاب بالطريقة نفسها فلا اعتقد ولكن مجرد حصول اتفاق بين العراق والولايات المتحدة على انسحاب القوات المقاتلة فهي اشارة الى ان الولايات المتحدة تحاول تخفيف حضورها العسكري الى أدنى درجات وهذا قد ينسحب بشكل خطير هذه المرة على المنطقة التي توجد فيها قوات أمريكية في سوريا والموصولة عمليا مع العراق.
• كيف ترى التحولات في الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الاوسط ككل انطلاقا من افغانستان؟
نعم ستحصل تحولات استراتيجية أمريكية في الشرق الأوسط، ودول الخليج بدأت منذ الآن تدرس ماالذي ستفعله في حال ما الذي أرادت الولايات المتحدة أن تخفف وجودها في المنطقة وهي تعتمد عليها منذ عشرات السنين . في نفس الوقت هناك تساؤل عما ذا كان هناك انسحاب أمريكي في الشرق الأوسط وحول من سيحل المسألة الفلسطينية فهل ستترك تحت رحمة الاسرائيليين الذين برهنوا خلال عقود على عقلية احتلالية واضحة وبكل ممارستها الوحشية. وكيفية حل المسألة السورية حاليا اذا انسحب الأمريكيون من دون ان يكونوا قد ضمنوا مع الروس حلا في سوريا، وكيفية حل المسألة في اليمن ومدى حصول انسحاب او تخل أمريكي عن مسؤوليات معينة تجاه المنطقة وينطبق ذلك على لبنان وبشكل خاص على العراق. لا اعتقد بأنه سيحصل انسحاب مفاجئ او غير منظم كما حصل في أفغانستان وانما سيكون هناك اعتماد على دول اقليمية. عمليا ، ما عرقل السياسة الأمريكية انها كانت تريد ان تقيم نوعا من الوظائف للدول الاقليمية مثل تركيا واسرائيل وايران باعتبار ان العالم العربي في حالة تحول وضعف . ولكن الدول الثلاث التي يراد الاعتماد عليها ليست على نفس الموجة بمعنى انه لم يجر التفاهم بين هذه الدول او بين الولايت المتحدة ومجموعة دولية بين هذه الدول الثلاث حول كيفية التعامل مع العالم العربي. وبالتالي التحولات الاستراتيجية المتوقعة في الشرق الاوسط اهمها ما هو التنازل الكبير الذي يمكن ان تقدمه الولايات المتحدة لايران وهذا هو السؤال الذي يشغل دول الخليج وحتى دول المشرق العربي باعتبار ان ايران نشرت نفوذها في المشرق العربي .
• كيف يمكن لدول الجوار الافغاني أن تتعامل مع المعطى الجديد المتمثل في وجود طالبان؟
إما دول الجوار الأفغاني لديها ارتباطات مع اقليات موجودة داخل افغانستان او مصالح تجارية تريد ان تحققها او لديها أزمات لا تريد ان تدخل طالبان على خطها . لدينا الهند ومشكلة كشمير، والصين ومشكلة الإيغور، وباكستان ومشكلة طالبان باكستان ، وايران والجوار مع طالبان مع التناقض في العقيدة والمذهب . كل هذه الدول كانت تحارب الولايات المتحدة من خلال دعمها بشكل او بآخر لطالبان. ولا ننسى أيضا الشمال حيث يوجد نفوذ روسي في اوزبكستان وطاجيكستان وتركمنستان. هذا الجوار لديه مشاكل ويريد من طالبان ان لا تتدخل فيها. الحضور الأمريكي في افغانستان أراح الدول الثماني من خطر الارهاب الذي كان اقترب منها. روسيا لا تريد ان تكون لطالبان نفوذ على الاسلاميين او المتطرفين الموجودين في القوقاز، ذلك الآن موضع درس لدى عواصم هذه الدول وكلها تريد أن تقيم حوارا وعلاقات مع حركة طالبان فقط لكي تفهم ما هي توجهاتها بالنسبة للمستقبل. والواقع ان طالبان تريد ان تحقق شيئا لكي تستطيع ان تثبت «دولتها او اماراتها» في افغانستان. بالتالي طالبان ستتعامل مع هذه الدول وفقا لمصالحها بمعنى أنها اذا سهلت لها هذه الدول أمورا يمكن أن تساعدها في توطيد حكمها لن تكون مؤذية او متآمرة عليها . نحن نعلم ان طالبان عندما أنشأت امارتها عام 1996 لم تنل اعترافا من باكستان والسعودية والامارات ولكنها خذلت الدول عندما سمحت لتنظيم القاعدة بان ينشط وبأن ينفذ هجمات 11 سبتمبر التي انعكست وامتدت على السعودية والامارات وكل العالم العربي بشكل عنيف وبشكل أثار قلق الأنظمة العربية على بيوتها . فهل سنعود إلى هذه النقطة حتى لن الدول الخليجية لا تبدي رفضا او ترحيبا إزاء ما حصل في أفغنستان وهي بالفعل تريد ان تكون طالبان بعيدا عنها فبالتالي قد لا تتقبل هذا الواقع . بنفس الوقت يجب ان نتذكر ان الولايات المتحدة تقول كلمتها الأخيرة مما يحصل في المنطقة . المرحلة المقبلة ليست محسومة وليست عمليا مائلة إلى الاستقرار وهذا يجب ان يؤخذ في الاعتبار بكل العواصم العربية.
الكاتب والمحلل السياسي اللبناني عبد الوهاب بدرخان لـ«المغرب»: ستحصل تحولات استراتيجية أمريكية في الشرق الأوسط بعد الانسحاب من أفغانستان
- بقلم روعة قاسم
- 10:26 24/08/2021
- 808 عدد المشاهدات
تتواصل عمليات الإجلاء الأمريكية في أفغانستان وسط تساؤلات حول تداعيات وانعكاسات هذا الانسحاب على دول الجوار الأفغاني والمنطقة