الانتخابات الجهوية والإدارية الفرنسية: انتصار الأحزاب التقليدية وهزيمة الحزب الرئاسي وتراجع التجمع الوطني المتطرف

أفرزت الانتخابات الجهوية والإدارية الفرنسية التي انتظمت يوم الأحد 20 جوان في دورتها الأولى مشهدا سياسيا خالف كل توقعات مؤسسات

سبر الآراء التي وعدت بفوز ساحق لليمين المتطرف. وكان الناجح الواضح جمهور العازفين عن التصويت الذي سجل رقما قياسيا تاريخيا بنسبة 67%. لكن القائمات التي نالت دعم الناخبين كانت تلك التي تدير الجهات منذ 6 سنوات. وكانت أغلبيتها من اليمين (7جهات) حقق فيها زعماء اليمين والوسط أرقاما قياسية (بين 36 و45% من الأصوات).
أما الخاسر الكبير فهو الحزب الرئاسي، «الجمهورية إلى الأمام»، الذي لم يحقق إلا 11% من الأصوات وهو غائب في شمال فرنسا في حين يمكنه الحصول على بعض المستشارين في المجالس الجهوية التي تحالف فيها مع القائمات اليمينية المتصدرة للمشهد. والمعطى الثاني لهذه الانتخابات التراجع غير المنتظر للتجمع الوطني بزعامة مارين لوبان الذي لم يحقق ما كان متوقعا من نتائج لوحت بها كل مؤسسات سبر الآراء التي اخفقت هذه المرة في إعطاء توقعات قريبة من واقع الناخبين.
وجاءت نتائج الانتخابات الإدارية التي نظمت في نفس اليوم لتعطي نفس الاتجاهات العامة المسجلة في الانتخابات الجهوية. وقام الناخبون في هذه الدورة لأول مرة بالاقتراع على قائمات مزدوجة تحتوي على رجل وامرأة لضمان التناصف الفعلي في المجالس بين الرجال النساء المنتخبين. وسوف تجري دورة ثانية انتخابية يوم الأحد المقبل لتحديد الناجحين في المجالس الجهوية والإدارية القادمة بعد أن تتشكل القائمات الائتلافية بين الأحزاب الأولى التي ضمنت السقف الأدنى (10%) من الأصوات في الدورة الأولى.
حملة انتخابية على وقع رئاسية 2022
ويفسر الملاحظون عزوف الناخبين المرتفع باختيار الأحزاب خوض حملات انتخابية حول شعارات ومضامين لا علاقة لها بمسؤوليات الجهات التي تركز أعمالها حول التجهيزات التربوية والنقل والبنية التحتية أساسا. أما المسائل التي ركزت عليها الأحزاب (الأمن والهجرة والإرهاب) فهي من مهام الانتخابات الرئاسية. أما السبب الثاني فيرجع لظروف تنظيم الانتخابات في أجواء الخروج من الحضر المفروض على التنقل والاجتماع وفتح المقاهي والمطاعم ودرو السينما والمسارح والفضاءات السياحية. وهوما جعل الناخب يفضل التمتع بحرية التنقل والاجتماع عن النفس على حساب الاقتراع.
وشاركت في الانتخابات وجوه بارزة من اليمين الجمهوري تنافست على زعامة حزب الجمهوريين للانتخابات الرئاسية القادمة. ثلاثة مسؤولين على الجهات، فاليري بيكراسوغزافييهبرترانولورونفوكييه وهم من نفس الحزب ويتنافسون على زعماته لقيادة الحملة الرئاسية المبرمجة لربيع 2022. مما يكون قد أعطى هذه الدورة الانتخابية بعدا وطنيا في غير محله لم يخدم عملية الاقتراع بل ساهم في تحسين أرقام المرشحين الثلاثة الذين سوف يخرجون منتصرين دون أن يغير ذلك من موازين القوى داخل حزب الجمهوريين. أما اليسار فدخل منقسما كعادته عملية الانتخابات بالرغم من المساعي لتوحيد الصفوف في قائمة واحدة تجعل مختلف الأحزاب اليسارية تلعب الأدوار الأولى. لكن هذه الأحزاب قررت أن تشكل اليوم قائمات موحدة للدور الثاني في محاولة لمنافسة المرشحين السبعة اليمينيين ولو أن التوقعات لا تعطي اليسار أكثر حضا من المحافظة على الجهات الخمس التي يتصدر قائماتها.
أما حزب التجمع الوطني فقد سجل تدهورا نسبيا في مستوى أرقامه. لكنه يبقى الحزب الثاني في جل الجهات ويلعب الدور الأول بحظوظ وافرة في جهة مرسيليا الكبرى أين يتقدم تياري مارياني (35،38%) على الجمهوري روني موزولييه (31،91%). وقد ينفع انسحاب أحزاب اليسار من السباق لفائدة الجمهوري في صد التجمع الوطني ومنعه من رئاسة الجهة. وكانت مارين لوبان تعول كثيرا على نجاح تياري مارياني المنشق عن الجمهوريين لحسم الانتخابات الرئاسية القادمة بإظهار أن استراتيجية الانضمام إلى التجمع الوطني ورقة ناجحة للوصول إلى تحقيق أغلبية سياسية في البلاد.
مشكلة إضافية للرئيس ماكرون
شكلت نتائج الدورة الأولى للانتخابات الجهوية عقبة إضافية في استراتيجية الرئيس ماكرون الانتخابية. فقد زج قصر الإيليزي بعدد من الوزراء في السباق الانتخابي قصد اضعاف حزب مارين لوبان وافشال مخططاتها. لكن لم ينجح أي وزير في الانتخابات الجهوية. بل أن حزب «الجمهورية إلى الأمام» لم يحقق أكثر من 11% من الأصوات وهو متأخر في الشمال على الحد القانوني (10%) الذي يمكنه من دخول المجلس الجهوي. وهو ما يدل على أن الحزب الرئاسي لا زال غير قادر على التمركز في مختلف جهات البلاد. وهو عائق إضافي في إطار إدارة الحملة الرئاسية القادمة بسبب عدم قدرته على تكوين شبكة من الأنصار والمشجعين في البلديات والجهات لحشد الجهود والعزائم لإنجاح مشروع إعادة انتخاب ماكرون لولاية ثانية.
وجود قائمات الحزب الرئاسي في الصفوف الخلفية يجعله يبحث على تحالفات مختلفة مع اليمين واليسار لا يمكنه من لعب الأدوار الأولى فيها. وهو ما يقلل من إمكانية تحركه في الأشهر القادمة مع انطلاق الحملة الانتخابية لرئاسية 2022. سيناريو لطالما عمل قصر الإيليزي على تجنبه. ولم يبق أمام إيمانويل ماكرون سوى إعادة الكرة وخوض الانتخابات القادمة بمفرده مع الأخذ بعين الاعتبار تحول الرأي العام نحو مساندة حزب الجمهوريين. الأحد القادم سوف تتقاسم أحزاب اليمين واليسار المقاعد في المجالس الجهوية والإدارية وذلك ما لا ترغب فيه الأغلبية البرلمانية الحالية. ويبقى الباب مفتوحا أمام عبقرية الرئيس إيمانويل ماكرون للتوصل إلى بلورة استراتيجية انتخابية ناجحة عام 2022.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115