قراءة في مخرجات قمة الحلف الأطلسي: المنظمة الأطلسية تقر بأن «الصين دولة عظمى» وتعمل على احتوائها

أقرت الرحلة الأوروبية للرئيس الأمريكي جو بايدن جملة من التوجهات التي تم الإعلان عنها في قمة الدول المصنعة السبع

وفي اجتماع بايدن برؤساء الإتحاد الأوروبي وخلال قمة الحلف الأطلسي في بروكسل. وقد يكون مخرجات قمة الدول الثلاثين المنضوية تحت الراية الأطلسية لتعبر عن التوجهات الإستراتيجية الحقيقية التي اختارتها الإدارة الأمريكية لـ«قيادة العالم» بمناسبة «رجوعها» الى الدبلوماسية الدولية، حسب العبارات التي استعملها الرئيس الأمريكي.
كما ورد في الإعلان النهائي لقمة الحلف الأطلسي المنعقدة يوم 14 جوان، الحلف «منظمة دفاعية تعمل من أجل السلام والأمن والاستقرار في كامل المنطقة الأوروبية الأطلسية». وهي «تضمن الحرية والمبادئ المشتركة ومن بينها الحرية الفردية وحقوق الإنسان والديمقراطية ودولة القانون». هذا الإعلان يخفي في الحقيقة البعد العسكري الهجومي الذي قامت عليه المنظمة ولا تزال تستخدمه في أفغانستان وسوريا والعراق وليبيا والقارة الإفريقية وفي أنحاء واسعة من التراب الأوروبي أين ركزت قواعد عسكرية في مواجهتها للدولة الفدرالية الروسية.
«حلف الديمقراطيات» والمصلحة الأمريكية
التوجه الأمريكي الجديد الذي أراد جو بايدن زرعه في عقيدة الحلف الأطلسي، وهو الإطار العسكري والاستراتيجي الأصلي للنفوذ الأمريكي في أوروبا وما جاورها، يتمثل في توسيع مهام المنظمة مع احتواء البلدان الأعضاء لمساعدة الولايات المتحدة في حروبها ونزاعاتها القادمة علما وأن جو بايدن أقر أن «الولايات المتحدة ليست قادرة بمفردها على تحقيق الرهانات التي تواجهها «البلدان الديمقراطية». وهو ما جاء في البعد السياسي المفروض على الدول الأعضاء في إطار «الأجندة الأطلسية 2030» التي تمت صياغتها منذ قمة 2019 وقامت الدول بالمصادقة عليها الأسبوع الماضي.
فبعد إقرار الأمور البديهية المتعلقة بمقاومة جائحة كورونا وفض إشكال تمويل المنظمة وتطوير أجهزتها ومعداتها الحربية وهي مسائل تعتبر تقنية وعادية، ذكر الإعلان النهائي جملة من المسائل التي تغير لب تحرك المنظمة. فأصبحت المنظمة بموجب ذلك تعمل على ربط الأمن بمقاومة الإحتباس الحراري وإدراج أعمالها وتحركاتها في إطار الدفاع عن النظام الديمقراطي والدفع نحو المساواة بين الرجال والنساء وحماية المرأة من الاعتداءات الجنسية والتصديل»النظم التسلطية» في العالم وبرمجة إجراءات لضمان الطاقة للبلدان الأعضاء ومحاربة الحركات الإرهابية والهجرة غير النظامية دون الحد من القدرات العسكرية الدفاعية والهجومية ومستوى الردع النووي. وهي جميعها قضايا سياسية لم تطرح من قبل في سجل مهام منظمة الحلف الأطلسي. بل تشير إلى ضعف الولايات المتحدة الأمريكي في الحفاظ بمفردها على زعامتها وتقدمها التكنولوجي والصناعي والعلمي والاقتصادي في ظل عالم متعدد الأقطاب ومتفتح على نظام العولمة مما يجعلها تبحث، أكثر من قبل، على الاستعانة بحلفائها في استراتيجياتها في العالم.
ويبدو أن واشنطن اختارت «حلف الديمقراطيات» المتكون أساسا من دول الفضاء الأوروبي، الذي أصبح قوة اقتصادية على المستوى الدولي، كإطار يضمن نفوذها في النظام العالمي الموروث الذي «بني على قواعد» مشتركة تخدم نفوذ واشنطن. وهي الدول التي استرجعت عافيتها بعد الحرب العالمية الثانية بسبب التدخل العسكري والمالي الأمريكي والتي لا تزال في حاجة إلى الغطاء الأمريكي الدفاعي. في هذا الإطار، تعتبر قمة الحلف الأطلسي الأخيرة مرحلة فارقة في العلاقات الدولية تطوي صفحة الحرب الباردة وتبدأ في بناء توجه جديد في الصراع القائم بين الدول الكبرى في السنوات القادمة.
الاعتراف بالصين كـ«دولة عظمى»
خلافا للتصريحات الأمريكية في لقاءات جو بايدن بالقادة الأوروبيين التي فهم منها الموقف العدائي تجاه الصين الشعبية، طالبت منظمة الحلف الأطلسي بيكين ب»احترام التزاماتها الدولية والعمل بمسؤولية في إطار النظام الدولي خاصة في مجالات الفضاء والنظم الإلكترونية و البحرية وذلك وفقا لدورها كدولة عظمى». الإقرار بدور الصين في العلاقات الدولية الجديدة ومطالبتها ب»الحوار لتنمية الثقة واتخاذ إجراءات شفافية في مسائل قدراتها و عقيدتها النووية» يشير إلى عدم قدرة الولايات المتحدة على التصدي الحقيقي لتصاعد النفوذ الصيني في الميادين التي كانت حكرا على واشنطن. والدليل على ذلك أن الصين أطلقت، يوما بعد القمة الأمريكية الروسية في جينيف، صاروخا حمل ثلاثة علماء صينيين للمحطة الفضائية الصينية التي أطلقتها بيكين بمشاركة موسكو بعد أن رفضت واشنطن مشاركة الصين في البرنامج الفضائي الدولي. وكانت بيكين قد أرسلت بنجاح في شهر مارس ، أسبوعا بعد الولايات المتحدة، إلى المريخ قمرا صناعيا حط فوق أرضه للقيام ببحوث علمية ميدانية.
وقد أصبحت الصين في غضون 30 سنة دولة عظمى علميا، وتكنولوجيا، واقتصاديا، وعسكريا. فهي ثاني اقتصاد دولي. وتتصدر جملة من البحوث والإنجازات التكنولوجية التي فرضت نفسها على دول العالم مثل الجيل الخامس من نظم الاتصال وهي بصدد تجربة النظام السادس. ويتوقع الملاحظون أن تلتحق الصين في نهاية العشرية بالولايات المتحدة في قدراتها العسكرية الهجومية بما في ذلك قدراتها النووية لتصبح بذلك قوة رادعة مثلها مثل الدول المصنعة الكبرى المالكة للسلاح النووي. طموح الصين وانتشار برنامج طريق الحرير الجديدة يشكل تحديا حقيقيا لواشنطن تعمل من أجل «احتوائه» بحشد الدعم من حلفائها التقليديين.
احتواء الدور الروسي
حظيت روسيا في البيان الختامي ب13 فقرة من مجموع 74 (في حين خصصت فقرتان فقط للصين) عددت فيها المسائل الخلافية مع موسكو في أوكرانيا و القرم وبيلاروسيا وقضايا التسلح والصواريخ البالستية الجديدة وتواجد القوى الروسية في سوريا وافريقيا وغيرها من الأماكن في العالم. وإن تعددت المشاغل الأطلسية بملفات تربطها مع موسكو فإن ذلك راجع أساسا إلى القدرات النووية الروسية التي تتقاسم مع الولايات المتحدة 90% من الترسانة النووية الدولية. وهي، في هذا المجال، «الشريك» الأساسي الدولي في هذا الملف الذي يعطي موسكو قوة ضاربة وحضورا دوليا يهدد مصالح واشنطن بالرغم من مستواها الاقتصادي المتدني الذي لا يفوق حجمه، حسب الإحصائيات الدولية، مستوى الناتج الداخلي الخام لاسبانيا.
ويهدف الموقف الحازم المعلن ضد روسيا إلى طمأنة الدول الأوروبية من جهة وجعلها تنخرط في الإستراتيجية الأمريكية، ومن جهة أخرى يشكل ورقة ضغط على موسكو لمواصلة العمل على خفض الترسانة النووية طبقا لبرنامج «ستارت» التي تم التمديد فيه مؤخرا. وهو ما جعل الرئيس بايدن يشدد على فكرة أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست في عداء مع موسكو ولا تسعى إلى شن حرب معها. لكن استراتيجية «الاحتواء» التي تم تأسيسها منذ ثمانينات القرن الماضي لا تزال الإطار الوحيد الذي تتحرك فيه الإدارة الأمريكية خاصة أن روسيا أظهرت قدرات فائقة في الحرب الإلكترونية شغلت الرأي العام و الساسة في واشنطن وهو ما يريد بايدن إخراجه من حلبة الصراع بتوخيه أسلوبا مرنا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
رهانات وحدة الصف
ويبقى تطبيق ما جاء في الإعلان النهائي لقمة الحلف الأطلسي رهن حل المشاكل الداخلية المزمنة في صفوف الدول الأعضاء وعلاقتهم بالحليف الأمريكي. ففي سنوات دونالد ترامب دخل انشقاق في المنظمة بقرار تركيا التزود من روسيا بأنظمة دفاعية ضد الصواريخ (س 400) لم توافق عليها واشنطن. لكن توحيد الصفوف ترادف مع غض الطرف على هذا التحول من أجل ضمان تواجد ثالث قوة عسكرية في المنظمة بعد الولايات المتحدة وفرنسا على مشارف التراب الروسي وعلى أبواب الشرق الأوسط. وسهل تطبيع العلاقات بين رجب طيب أردوغان وإيمانويل ماكرون إمكانية صياغة موقف توافقي عريض. الملف الثاني الذي عمل بايدن على تحييده هو الموقف الفرنسي الذي أعلن «الموت السريري للمنظمة». وقبل بايدن في هذا الصدد لضمان الدعم الفرنسي إدراج مسألة نظام الدفاع الأوروبي ك»تكملة لنظام الدفاع المشترك» بين الحلفاء وهو ما يفتح باب مواصلة عمليات إدماج القوى المسلحة الأوروبية على اختلافها في مشروع موحد قادم.
المسألة الشائكة الأخرى والتي سوف تكون في عديد المسائل حجرة عثرة أمام تطبيق توسيع رقعة تدخل الحلف هي الإتحاد الأوروبي الذي يخضه لمنظومة قانونية صلبة ليست خاضعة للحلف. بل أنّ كل إجراء يمكن أن يمس بالنظام القانوني الأوروبي أو أن يتعارض معه سوف يجد أمامه سدا منيعا تصعب زعزعته. وفي حين لا تزال الولايات المتحدة تتجسس على حلفائها الأوروبيين وفي طليعتهم ألمانيا وفرنسا فهي تطالبهم بمقاومة نفس التدخلات بنفس الأساليب من قبل الخصمين الروسي و الصيني واعتبار ذلك نهجا استراتيجيا موحدا.زد على ذلك تداعيات «البريكست» التي أعطت المملكة المتحدة استقلالية على أوروبا بما في ذلك استخدام القدرات النووية الرادعة. وهو ملف يشغل الأوروبيين ويتطلب للوصول إلى اتفاق نهائي يرضي الجميع عملا متواصلا ومفاوضات غير مضمونة النتيجة.
كل هذه الرهانات تنضاف إلى تضارب المصالح الأطلسية، التي تسودها مصالح واشنطن، مع مصالح الدول الأعضاء التي لا تتوافق بكل وضوح في طبيعة العلاقات مع روسيا ومع الصين وهما الملفان المحوريان في قمة بروكسل. أما باقي المسائل المتعلقة بمقاومة الاحتباس الحراري والإرهاب وبالموقف من ملفات سوريا وليبيا والعراق والساحل الإفريقي وغيرها من بؤر التوتر فالتوافق مضمون لأنه يخدم ضمنيا نفوذ الأطلسي التي زادت رقعة تدخلاته بعد أن بدأ فقط بضمان أمن الدول الأوروبية في وجه النفوذ السوفييتي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115