والتي تحتضنها مدينة «كورنوال» البريطانية ثم سيحضر قمة منظمة الحلف الأطلسي ويلاقي بعد ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أول قمة بين الرجلين بعد انتخاب جو بايدن.
هذه الزيارة تجعل من قمة «كورنوال» جزءا من برنامج الرئيس الأمريكي في حين تجمع حول طاولة واحدة أهم الدول المصنعة التي تشكو من جائحة كورونا ومن الأزمة المالية التي تبعتها (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى وكندا واليابان وفرنسا وإيطاليا ألمانيا، إضافة إلى لاتحاد الأوروبي). لذلك جاءت قمة وزراء المالية (4و5 جوان) لتلك الدول قبل اجتماع «كورنوال» لترجع النفوذ الأمريكي إلى سالف مكانه. فقد وافقت الدول الأعضاء، بعد نقاش حاد، على مقترح واشنطن فرض ضريبة ب 15 % على أرباح الشركات الكبرى متعددة الجنسيات وعلى شركات «الغافام» الإلكترونية. ويحاول جو بايدن في هذه القمة إعادة توحيد الدول المصنعة وكسب دعمها في الإستراتيجية الأمريكية المقاومة للنفوذ الصيني والروسي على المستوى الدولي بعد أن أدخل دونالد ترامب العالم بسياساته الانعزالية في علاقات متشنجة جعلت الأوروبيين يفكرون في نظام عالمي بديل.
وحدة الصف المعلنة
في ظاهر الأمور، يجتمع زعماء الدول السبع لتسجيل الرجوع الأمريكي للإستراتيجية الأطلسية التي هدد كيانها دونالد ترامب كذلك لإقرار جملة من التوافقات حول قمة المناخ التي سوف تعقد في اسكتلندا والتنسيق فيما بينهم للخروج من جائحة كورونا. لكن في الواقع، وحسب ما جاء في تسريبات من واشنطن، تهدف رحلة جو بايدن المكوكية في الأساس إلى إعادة العلاقات التقليدية مع الحلفاء الأوروبيين من أجل حشد الدعم لمقاومة النفوذ الصيني في صف واحد. وتبدو هذه الإستراتيجية معقدة لما للوضع الدولي الحالي من أثر على الدول الأعضاء جراء الإنقسام الأوروبي بعد «البركسيت» ودخول كل الدول في أزمة اقتصادية ومالية خانقة.
ما تم وضعه على طاولة النقاش، بعد إقرار اخضاع الشركات العالمية الكبرى لضريبة موحدة (15%)، هو الرجوع إلى مقاومة الانحباس الحراري في صف واحد وتخصيص مليار جرعة من اللقاح ضد فيروس كورونا للدول النامية والفقيرة والتفكير في «برنامج مارشال» جديد لمساعدة الدول الفقيرة. كل هذه المسائل ليست مفصلية لآن الصين وروسيا تشاركان فيها دون تنسيق مع واشنطن. بل أن الإعانات الصينية الصحية شملت أكثر من 130 دولة في إطار مقاومة الجائحة وقد أكدت الرفع في مستوى تدخلها للحد من الاحتباس الحراري.
رهانات داخلية
مسرح اللقاءات في «كورنوال» يخفي الأوضاع التي تتخبط فيها الدول المصنعة، أولها الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت تتعافى تدريجيا من سنوات دونالد ترامب وستشرع في سحب قواتها العسكرية من أفغانستان لتكتمل العملية مع شهر سبتمبر. أما فرنسا فقد قررت وقف «برنامج برخان» العسكري الذي يضمن لها تواجدا عسكريا ب5100 جندي في منطقة الساحل الإفريقي من أجل مقاومة الحركات الجهادية. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يدخل في سنة انتخابية حاسمة لا تترك مجالا لمشاريع أخرى سوى إقرار ما تم الاتفاق في شأنه دوليا أي مقاومة كورونا والاحتباس الحراري. باقي الدول الأوروبية هي الأخرى تعاني من مشاكل داخلية (عدم استقرار حكومي، صعود اليمين المتطرف والحركات الانفصالية، وموجات الهجرة غير النظامية) مما يتطلب جهدا داخليا وتركيزا كاملا. أما بريطانيا فقد دخلت في منطق المنافسة مع الإتحاد الأوروبي. وأظهر الوزير الأول بوريس جونسون في الأسابيع الماضية قدرة فائقة على عدم احترام الاتفاقات الموقعة في شأن «البركسيت»، خاصة في ملف أيرلندا، مما جعل إيمانويل ماكرون يندد بالموقف البريطاني و يهدد بإجراءات عكسية.
إستراتيجيات مختلفة
من الواضح أن العلاقات الدولية المتشعبة والمعقدةشهدت في الأشهر الأخيرة، مع تفاقم جائحة كورونا، تقلبات غيرت موازين القوى على المستوى الدولي وعقدت الطريق أمام استراتيجية واشنطن في مقاومة النفوذ الصيني المتعاظم. إستراتيجية جو بايدن المعلنة تتمحور تجاه الصين حول ثلاث ركائز: اعتبار بيكين منافسا اقتصاديا وتكنولوجيا وإرساء علاقة شراكة مع الصين في حماية المناخ والمحيط، واعتبارها خصما استراتيجيا محوريا.أما في الملف الروسي فالموقف الأمريكي يريد الرجوع إلى زمن الحرب الباردة الذي يصعب توحيد الأوروبيين حوله.
ألمانيا أكدت مرارا تمسكها بالتعامل مع روسيا في ملف تزويدها بالغاز الروسي عبر أنبوب «نور ستريم 2»ومبادلاتها التجارية التي فاقت 90 مليار دولار سنوياوالتي تشهد تصاعدا مع تصدير السلع عبر 5000 كلم من شبكة السكك الحديدية التي تربط ألمانيا بالصين عبر روسيا.وبرلين التي تعمل على رفع مبادلاتها مع موسكو ترغب في علاقات عادية مع روسيا. وهي تطور علاقاتها الاقتصادية مع الصين واستثماراتها في المجال الإلكتروني مع الشركات الصينية. أما إيطاليا فهي البلد الأوروبي الوحيد المنخرط في مشروع «طرق الحرير الجديدة» الذي يعطي بيكين متنفسا في البحر الأبيض المتوسط.وسوف يجد جو بايدن أمامه موقفا فرنسيا حازما في خصوص منظمة الحلف الأطلسي الذي اعتبرها ماكرون»في حالة موت سريري» ولو أن قصر الإيليزي أكد على عزمه الانخراط في الإستراتيجية الأمريكية. وذلك في الحقيقة كلام دبلوماسي لأن واقع السياسة المعلنة الفرنسية يرمي إلى إرساء دفاع أوروبي مشترك يضمن سلامة الدول الأعضاء ولا يكون مرتبطا عضويا بالتدخل الأمريكي.
يبقى في الأخير أن قمة الدول السبع لن تحيد عن عاداتها البلاغية وعن اعلاناتها الرسمية التي لن تجد طريقا للتفعيل. بل هي عبارة عن مسرح يظهر توجهات البيت الأبيض. فبالرغم من الإخراج المحكم للقمة تبقى العلاقات الروسية الأمريكية حكرا على الرئيس الأمريكي وهي مبرمجة في قمة أخرى لا دخل لباقي الدول فيها. مع خروج الصين من أزمة كورونا ودخولها مجددا في نمو اقتصادي تصاعدي وتركيز روسيا نفوذها في منطقة الشرق الأوسطوفي افريقيا، تجد واشنطن نفسها تقاوم على عدة أصعدة تحتاج في ذلك إلى دعم من «الدول الديمقراطية» للحفاظ على زعامتها الدولية. وهو الرهان الحقيقي أمام الإدارة الأمريكية الحالية.
قمة الدول السبع المصنعة في «كورنوال» البريطانية: هل هي رجوع أمريكا إلى قيادة العالـم؟
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 10:10 14/06/2021
- 596 عدد المشاهدات
وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أوروبا في رحلة متعددة الجوانب ليشارك في قمة الدول السبع المصنعة (من 11 إلى 13 جوان)