الشيلي يطوي صفحة دكتاتورية «بنوشي»: انتخاب مجلس تأسيسي لكتابة دستور ديمقراطي

عاش الشعب الشيلي حدثا تاريخيا بانتخابه يوم 16 ماي الجاري مجلسا تأسيسيا بهدف كتابة دستور ديمقراطي جديد يطوي

نهائيا صفحة دكتاتورية الجنرال أغسطوبنوشي ويعوض دستور عام 1980.وقد صادق الناخب الشيلي يوم 25 أكتوبر 2020 بنسبة 78 % في استفتاء على تكوين مجلس تأسيسي إثر الانتفاضة الشعبية خلال أكتوبر لعام 2019 المنددة بغلاء المعيشة والمطالبة بتغيير القانون الأساسي للبلاد.
وقد أفضت الانتخابات إلى دخول المجلس التأسيسي لـ155 نائبامن أصل 1373 مرشحا، لأول مرة في التاريخ بالتناصف بين الرجال والنساء،وهو في حد ذاته وانتصار للحركة النسوية الشيلية، مع مشاركة 17 نائبا من المواطنين الأصليين الممثلين لعشرة «شعوب أصلية» مثل المابوش.وقد أظهرت النتائج هزيمة الأحزاب اليمينية المنبثقة من عهد بنوشي وفوز أحزاب المعارضة اليسارية بنسبة 33،22% من الأصوات وعدد كبير من النواب المستقلين، مما جعل عملية تغيير نص الدستور، على أساس قاعدة الثلثين، ممكنة بسبب فقدان اليمين الثلث المعطل ووجود شبه إجماع في صفوف المعارضة علىتطوير التشريعات الأساسية للبلاد لدعم الحريات والتضامن. أمام النواب الجدد. 9 أشهر يمكن تمديدها بثلاثة أشهر إضافية لكتابة نص دستور متطور يخدم تطلعات الشعب الشيلي. وسوف يتم تنظيم استفتاء جديد عام 2022 للمصادقة النهائية على نص الدستور الجديد يكون فيه الانتخاب إجباريا.
صياغة مجتمع جديد
كان الهدف المعلن لكل التشكيلات الحزبية وللقائمات المستقلة والتنظيمات النسوية الممثلة في المجلس التأسيسي العمل على صياغة نص دستوري يدخل الشيلي في عهد ديمقراطي شعبي ويمهد لإرساء نظام سياسي ديمقراطي مفتوح وتشاركي لا يقصي أي فئة من المجتمع. بل يعمل على تغيير الأسس الليبيرالية التي أقامها دستور 1980 والتي أدت إلى خوصصة التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والماء والكهرباء وجل المجالات الحيوية للبلاد والتي انتفعت بها أساسا أقلية من رجال الأعمال. وهو النظام الذي أفرز تفاقم الفقر والبطالة واللامساواة.وسوف يساهم النواب المستقلون من أساتذة وفنانين ومحامين وعاملين في الحقل الاجتماعي، الذين يشكلون الأغلبية، في طي صفحة الماضي والدخول في عهد تحرري واعد.
وقد اعترف الرئيس اليميني سيباستيان بينيرا، حسب وكالة فرانس براس، بـ«الرسالة الواضحة والقوية» للانتخابات وقال «لسنا في تناغم بما فيه الكفاية مع مطالب ورغبات مواطنينا». نفس التقييم جاء على لسان خافير ماكايا، رئيس الاتحاد الديمقراطي المستقل، أكبر حزب يميني في الشيلي، الذي صرح للصحافة: «الناخب أطلق إشارة لا بد أن نكون قادرين على سماعها. المجموعات السياسية التقليدية تم تجاهلها من قبل الناخبين.» في المقابل عبرت تنظيمات اليسار المعارضة، التي ساهمت في المرحلة الانتقالية بين 1990 و2020 في «سياسة التوافق» مع أحزاب اليمين الراديكالي، عن بوادر التغيير في المشهد السياسي الشيلي. واعتبر هيرالدومونيوز، مرشح الحزب التقدمي من أجل الديمقراطية، أن «قوة المستقلين برزت بصورة مفاجئة وأعطت درسا للطبقة السياسية». أما مرشح الحزب الشيوعي للرئاسية، دانيال جادوه، فأكد أن «الفئات التي تبحث على تغيير البلاد هي التي انتصرت.» يبقى أمام الجميع العمل البرلماني المعقد الذي يرتكز على التفاوض بين كل الفئات المشتتة من أجل صياغة نص يضمن أغلبية الأصوات ويمكن القوى السياسية من بلورة نظام مجتمعي جديد.
تفكيك النظام الليبيرالي
وتكمن الفكرة السائدة لدى أغلبية الفصائل السياسية في التخلي عن النظام الليبرالي السائد الذي أسسته دكتاتورية بنوشي والذي قام فيه البيت الأبيض الأمريكي بالدور الرئيسي. رفض المنوال الليبيرالي الجديد يحظى بأغلبية لدى النواب. لذلك يتوقع الملاحظون أن يعمل المجلس التأسيسي على دسترة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الغائبة من قوانين البلاد وإدخال الطبقة السياسية في نظرة استراتيجية جديدة يمكن أن تفضي، في مرحلة لاحقة بعد استفتاء 2022، إلى سياسة تعتمد على إعطاء الدولة مسؤولية قصوى في حماية المواطن مع تمكينه من التعليم المجاني والصحة وحق أساسي. وهو ما يتطلب تغيرا في النظم قد تصل إلى سن سياسة اجتماعية وتأميم بعض المؤسسات. وهي السياسة التي أدت في سبعينات القرن الماضي في عهد الرئيس سلفادور ألاندي إلى الانقلاب العسكري الدامي عام 1973 على يد الجنرال أغسطو بنوشي بمساعد مباشرة من الوكالة الأمريكية للمخابرات «سي أي أي».
في صورة نجاح المجلس التأسيسي الشيلي في بلورة دستور ديمقراطي، وهو أمل أغلبية الشعب الشيلي، فإن دعائمه الأولى سوف تعطي للدولة الدور الأساسي في التعليم والصحة والحيطة الاجتماعية. يبقى المنوال الاقتصادي الذي يصعب تغييره بصورة جذرية في إطار نظام العولمة وأمام موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تتخل عن مناهضتها للحكومات اليسارية في كوبا وكولومبيا وفنزويلا ونيكاراغوا وتسليط العقوبات عليها بسبب سنها قوانين وسياسات اجتماعية معارضة للعقيدة اللبرالية التي ترتكز عليها المصالح الأمريكية. رهانات أخرى آتية أمام الناخب الشيلي في نوفمبر القادم مع تنظيم الانتخابات الرئاسية التي تشكل فرصة أخرى أمام التنظيمات التقدمية للاتفاق على شخصية تقود عملية التغيير في بلد نام أصبح منذ أسبوع مخبرا لباقي الدول النامية التي تعاني من الفقر والتمييز واللامساواة. هكذا يستعيد الشيلي مسيرته التاريخية التي رسمها في سبعينات القرن الماضي ودحضها النظام العسكري والتي تفاعلت معها كل شعوب العالم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115