فرنسا تقمع مظاهرة سلمية في باريس تناصر الفلسطينيين: «السياسة العربية» لفرنسا في حالة موت سريري

في حين تم تنظيم، أكثر من 60 مظاهرة شعبية سلمية لمناصرة الشعب الفلسطيني في عدد من المدن الفرنسية في هذا الأسبوع

مثل مرسيليا وبوردو وليل وتولوز شارك فيها أكثر من 30000 شخصا وقامت جمعيات السلام الفلسطينية في أوروبا بتنظيم مسيرات سلمية في لندن ومدريد وكوبنهاغن ومدن أوروبية أخرى، عمدت السلطات الفرنسية إلى منع مسيرة في العاصمة باريس بتعلة ألا تتحول إلى اعمال معادية للسامية كتلك التي تقول إنها سجلت في مظاهرات عام 2014 إثر الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.
قرار وزير الداخلية جيرالد درمانان استحسنه حزب التجمع الوطني المتطرف ومسؤولون من الحزب الاشتراكي الفرنسي في تحرك سياسوي يسترضي دعم اللوبي الصهيوني الفرنسي المستفحل في البلاد والذي يعمل على دحض كل خطوة ممكنة تفضح الأعمال اللاإنسانية للنظام الصهيوني وتعري السياسات الاستعمارية لحكومة بنيامين نتانياهو المتحالفة مع اليمين الديني المتطرف. ويدخل منع المظاهرة في باريس، في إطار انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2022 ولكن لم ينجح بسبب عزم منظميها على الخروج إلى الشارع للتعبير عن حقهم الدستوري. لكن ذلك فتح الباب أمام تغطية إعلامية متحاملة قامت بها وسائل الإعلام الفرنسية المناصرة للكيان الصهيوني والتي أعطت صورة متدهورة لما آلت إليه السياسة الفرنسية المتعلقة بالشرق الأوسط.
بين رام الله وباريس
المسيرة الباريسية التي دعت لها منظمات فرنسية أهلية وشاركت فيها جمعية السلام فرانس - فلسطين وعدد من شخصيات وجمعيات الجاليات العربية المهاجرة تم تنظيمها مع احترام البعد الأمني والتحكم في تحركات المتظاهرين. لكن 3000 متظاهر سلمي رافعين شعارات ولافتات مناصرة للشعب الفلسطيني ومنددين بالاحتلال الإسرائيلي بدون إطلاق أي شعار عنصري وجدوا أمامهم 4500 شرطي من فرق التدخل مدججين بشتى الوسائل المستعملة لتفريق المتظاهرين بالقذائف المسيلة للدموع وحافلات الرشق بالمياه. وتحولت المظاهرات السلمية إلى مشادات وصدام بين أعوان الأمن والمتظاهرين. وتم على إثر ذلك إيقاف أكثر من 50 شخصا وإيداعهم الحجز في مراكز الشرطة الباريسية.
القنوات التلفزيونية الفرنسية التي سايرت الأحداث في القدس وغزة ورام الله بثت صورا من شوارع باريس تشبه تلك التي عاشها الفلسطينيون في رام الله. وكأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تم جلبه إلى العاصمة الفرنسية بإرادة سياسية معلنة. والحقيقة أن أكثر من 60 مظاهرة تمت في فرنسا دون أي أعمال شغب أو تكسير أو نهب مثل تلك التي شهدتها شوارع فرنسا في مظاهرات «السترات الصفراء» مدة سنة ونصف. وأصبح جليا أن قرار وزارة الداخلية الفرنسية الذي عبّر عنه جيرالد درمانان بني على «محاكمة النوايا» وأحكام مسبقة لا علاقة لها بواقع تنظيم المظاهرات وسلوك الجمعيات الأهلية في فرنسا. بل هو موقف مسبق يناصر الكيان الصهيوني ويدوس على القيم السامية لبلاد حقوق الإنسان.
انحياز واضح إلى اللوبي الصهيوني
أصبح من بديهيات الحياة السياسية الفرنسية ما قاله الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران للكاتب الشهير جون دورميسون في لقائه به آخر يوم من ولايته الطويلة في قصر الإيليزي عندما عبر عن امتعاضه من «ضغط اللوبي اليهودي».وهو ما تمت معاينته في عديد التدخلات التي قام بها المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، المنحاز إلى حزب الليكود الإسرائيلي، الذي نجح في منع جل التظاهرات المناصرة للشعب الفلسطيني وخاصة المحاضرات الأكاديمية في الجامعات الفرنسية التي تطرح القضية الفلسطينية. وفي كل تلك الحالات لم تحرك الحكومات الفرنسية المتتالية ساكنا أمام تلك التجاوزات التي تحد من الحريات العامة والحريات الأكاديمية.
واتسع ذلك النفوذ إلى البرلمان الفرنسي الذي سن في 13 جويلية عام1990 «قانون غيسو» الذي يجرم اللاسامية. وفي 2019 صادق البرلمان الفرنسي على قانون عدد361 الذي يرتكز على قرار البرلمان الأوروبي لعام 2017،الذي يعتبر أن «اعلان كراهية دولة إسرائيل» يدخل في إطار الأعمال اللاسامية، وكذلك إعلان المجلس الأوروبي في 6 ديسمبر 2018 والذي يطالب الحكومة الفرنسية ب «بث القانون، في إطار عمل بيداغوجي، في المؤسسات التربوية والقمعية والقضائية». وهو القانون الذي تستخدمه أجهزة الدولة لقمع المظاهرات ضد الكيان الصهيوني.
ولئن كان وزير الداخلية الفرنسي يعمل في إطار قوانين البلاد فإن قرار منع مظاهرة 15 ماي يشير إلى تغيير جذري في «السياسة العربية» لفرنسا بالرغم من الخطوات التي يقوم بها الرئيس إيمانويل ماكرون تجاه الجزائر وحرصه على طي صفحة الماضي الاستعمارية المتعلقة بفرنسا. أما الاستعمار الإسرائيلي الحديث للأراضي الفلسطينية وقصفه للمدنيين وعدم احترامه لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالنزاع الفلسطيني إسرائيلي فذلك لا يزال يحظى بدعم ومساندة من قبل المسؤولين في الحكومة وفي قطاع واسع من الطبقة السياسية والثقافية الفرنسية. وهو عبارة على دفن واضح لما كانت عليه سياسات فرنسا في عهد الجنرال دي غول والتي أسست ما يعرف بـ»السياسة العربية لفرنسا».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115