تحدّث الناشط الحقوقي السوداني المعز حضرة في هذا الحديث لـ«المغرب» من الخرطوم عن التحولات التي يشهدها السودان في المرحلة الانتقالية مبينا بأن الانتقال من النظام الشمولي الى النظام الديمقراطي يمّر بمراحل صعبة . وشدّد على أهمية إرساء مفهوم العدالة الانتقالية على أرض الواقع مبينا بان السودان تعرض لهزّة مجتمعية كبيرة جدا خاصة في دارفور والنيل الأزرق ولا يمكن ان تتم معالجتها إلا بواسطة العدالة الانتقالية من أجل طيّ صفحة الماضي بكل مآسيه .
• ما التحديات التي تواجه السودان في ظل المرحلة الانتقالية؟
التحديات في ظل المرحلة الانتقالية عديدة لعل أهمها كيفية الانتقال من الحكم الشمولي الذي استمر زهاء 30 عاما الى تحول ديمقراطي حقيقي. فقد فقدنا خلال 30 عاما كل مؤسسات الدولة، فلم تعد توجد دولة بالمعنى المؤسساتي بل هناك حزب صغير يسيطر على كل مقومات الدولة السودانية . لذلك من أهم التحديات ان نعيد تكوين مؤسسات الدولة حتى نستطيع الانتقال من الشمولية الى الديمقراطية وهذه هي احدى أهداف الفترة الانتقالية وتهيئة الأجواء لذلك .
التحديات كثيرة لأن رموز النظام السابق لازالوا موجودين وممسكين بكل مقومات الدولة لذلك فانه من المهم اليوم ازالة الشروخ الموجودة في واقعنا السوداني .
• كيف هو واقع حقوق الانسان والحريات ؟
نقول انه بعد سقوط النظام السابق شهدنا تحولات كبيرة في الحريات، والوثيقة الدستورية تضمن الآن الحريات الكاملة. ولكن ما تزال المعوقات موجودة لان القوانين المقيّدة للحريات التي وضعها النظام السابق مازالت مترسخة . ورغم ذلك فإن الحالة العامة للحريات ووضع حقوق الانسان في تطور كبير جدا منذ 11 افريل وحتى الآن . واعتقد ان الحريات تسير في تطور وقد وقّع السودان على العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان وهذا تطور كبير جدا . فقد وقعّ على اتفاقية منع التعذيب والآن في طريقه للتوقيع على العديد من مبادئ الحريات ، والوثيقة الدستورية تحدثت عن كل القوانين والاتفاقات الحقوقية التي وقع عليها السودان سابقا وأصبحت جزءا من القانون الداخلي . وبالتالي نحتاج لتعديل العديد من قوانيننا حتى تواكب مبادئ حقوق الإنسان في العالم .
• كيف ترون مسار العدالة الانتقالية ؟
العدالة الانتقالية مشروع كبير جدا وحسب الوثيقة الدستورية من المفترض ان تتأسس مفوضية للعدالة الانتقالية. ولكن الى حد الآن لم يتحقق ذلك. ونحتاج لفترة تعاف من تبعات حكم 30 عاما خاصة انه قد حصلت خلالها جرائم كبيرة في دارفور والنيل الأزرق والخرطوم. واذا لم نعالجها عن طريق العدالة الانتقالية فالعدالة الكلاسيكية لن تعالج هذا الأمر . الآن هناك مسارات كثيرة حول موضوع العدالة الانتقالية خاصة بعد توقيع اتفاقية سلام جوبا .
ونأمل في مزيد توقيع الاتفاقيات ، والعدالة الانتقالية بالذات مطلوبة في مناطق الحروب وهي التي تساعد على تأمين مناخ من الاستقرار أثناء المرحلة الانتقالية و تساعد في اعادة مسار الاستقرار المجتمعي في السودان . فقد حصلت لنا هزّة مجتمعية كبيرة جدا خاصة في دارفور والنيل الأزرق فاذا لم يتم معالجتها بواسطة العدالة الانتقالية لن نستطيع ان ننطلق الى مرحلة أخرى وذلك حتى يشعر الضحايا الذين عانوا من ويلات النظام السابق بأن حقوقهم عادت اليهم.
• ما موقف الشرائح السودانية من التطبيع الحاصل مع دولة الاحتلال الاسرائيلي ؟
هناك تباين كبير فيما يتعلق بالتطبيع الحاصل مع الكيان الاسرائيلي . فرغم ان المجتمع السوداني صاحب مؤتمر اللاءات الثلاث الشهير في عام 1967 والذي توحّد خلاله كل العرب في مؤتمر الخرطوم ، ولكن نرى اليوم ان أصحاب القضية أنفسهم دخلوا في تطبيع كما أن عديد الدول دخلت في تطبيع سواء أكان معلنا او سريا. المواطن السوداني بطبعة مساند للقضية الفلسطينية لكن هناك بعض الأمور التي شابت هذه العلاقة في عهد النظام السابق والذي كان يدعم حماس انطلاقا من كونها تنظيم اسلامي لا لكونها حركة مقاومة تؤمن بالتحرر من الاحتلال، فأصبح هناك نوع من التشويش في العلاقة مع الفلسطينيين. فمبادئ السودان العامة هي ضد الاحتلال الإسرائيلي ومع الدولة الفلسطينية ولكن الفلسطينيين أنفسهم منقسمون . وبالتالي الموضوع شائك، فالبعض يؤيّد اقامة علاقات طبيعية مع الكيان الاسرائيلي طالما ان هناك دولا عربية أخرى طبّعت، ولكن البعض الآخر يرفض ذلك تماما وهناك آراء أخرى تطلب بان يتم ارجاء مثل هكذا أمر الى فترة أخرى حتى يتكون مجلس تشريعي ليدرس هذا الموضوع . لان الحكومة الحالية التي ألغت قانون مقاطعة إسرائيل وتسير في موضع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي غير منتخبة ، كما ان هناك شرائح كبيرة رافضة لهذا الأمر او تطلب تأجيله لحين وجود حكومة ديمقراطية ومنتخبة.