في تقرير قدمه المؤرخ الفرنسي فنسان دوكلار للرئيس إيمانويل ماكرون يوم الجمعة 26 مارس حول الدور الفرنسي في التطهير العرقي ضد التوتسي في رواندا. وكان ماكرون قد كلف فريقا من المؤرخين بالبحث في الأرشيف الرسمي الفرنسي، وذلك في عملية جريئة لتحديد مسؤولية أجهزة الدولة في الفضيحة التي هزت العالم في تسعينيات القرن الماضي في عهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران. وصرح ماكرون عند تلقيه للتقرير أنه يأمل في ان يساهم في تحسين العلاقات بين البلدين.
بعد تقرير بنجامين ستورا حول الحرب الجزائرية، يأتي هذا التقرير الرسمي حول رواندا بعد أن انكب فريق من 15 باحث فرنسي أعطيت لهم حرية تصفح عشرات الآلاف من صحف الأرشيف الرسمي لمدة سنتين في مختلف مؤسسات الدولة بدون أي تحفظ. وهي خطوة تاريخية ثانية قام بها الرئيس ماكرون لإعادة النظر في تاريخ الاستعمار الفرنسي عبر بحوث علمية تمهد لإصلاح العلاقات الدبلوماسية مع البلدان الإفريقية التي عانت من الاستعمار الفرنسي. في قضية الحال العلاقات بين باريس وكيغالي تتسم بنوع من البرودة تصل أحيانا إلى التصلب مما جعل رواندا تتخذ قرارات حاسمة مثل التخلي عن اللغة الفرنسية واستبدالها باللغة الإنقليزية في معاملاتها والاعتماد على تمويلات غير فرنسية لإنعاش اقتصادها الذي أصبح في طليعة الاقتصادات الإفريقية بنسبة نمو تفوق 10%.وسوف يسمح التقرير الذي يحتوي على 1200 صفحة من الخوض في فترة مظلمة من تاريخ فرنسا عندما كانت الحليف الأساسي للحكومة التي خططت ونظمت ونفذت عمليات تقتيل للمواطنين التوتسي بصورة منهجية وصفها المجتمع الدولي بعبارة «التطهير العرقي».
مسؤولية الرئاسة الفرنسية
أشار التقرير في عدة مواقع إلى مسؤولية الرئيس فرنسوا ميتران في فرض تعامل لصيق مع السلطات الروانديةومدها بالأسلحة والعتاد لمقاومة الجبهة الوطنية الرواندية (المتكونة أساسا من التوتسي)والتيكانت باريس تعتبرها حركة معارضة عدوة للنظام.وأشار التقرير إلى «الاصطفاف وراء السلطات الرواندية» الذي جعل فرنسا تشارك في «الميادين السياسية والدبلوماسيةوالعسكريةوالفكرية» في مساندة حكومة قامت بانتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان بما في ذلك، حسب ما ورد في التقرير، «تصفية المعارضين المستهدفين والتقتيل الممنهج للتوتسي».
وكانت باريس قد استقبلت عام 1994 كبار المسؤولين العسكريين في رواندا من أجل منح البلاد الإفريقية المساعدة العسكرية والمالية مع دراسة سبل تظليل الرأي العام العالمي في خصوص الأزمة في البلاد. وقول التقرير أن»فرنسا لم تبصر تحضيرات التطهير العرقي من قبل رجال النظام الراديكاليين». وكان بول باري المسؤول الأمني في قصر الإيليزي قد وقع معاهدات عسكرية مع قوات كيغالي لمنحهم العتاد اللازم للقيام بمهامهم في الحملة ضد التوتسي.
هل كان هنالك «تواطؤ» فرنسي؟
بالرغم من الدلائل التي يحتويها التقرير على مسؤولية فرنسا في التطهير العرقي فإن اللجنة أقرت عدم مشاركة و «تواطئ» فرنسا في العمليات.وبرر رئيس اللجنة هذا الموقف لدي الصحافة الباريسية معتبرا أن تحديد التواطئ أملا يرجع للقضاء ولا دخل للمؤرخ في ذلك. وذكر أن في آلاف الصفحات التي اشتغلت عليها اللجنة لم يكن هنالك أي وثيقة تثبت تواطأ فرنسا مع أي طرف «عنصري» استهدف التوتسي. بل أن ما ذكره الأرشيف الرسمي هو تعامل بين دولتين.لكن ذلك لا ينقص من مسؤولية فرنسا في التعامل بين 1990 و 1994 مع حكومة كانت تقوم بعمليات تطهير ضد التوتسي.
لكن الدراسات المستقلة التي نشرت في فرنسا و في إفريقيا لا تقول ما جاء في التقرير بل تنتقد الموقف الفرنسي المتعامل مع السلطات القمعية. كذلك الشأن بالنسبة للقيادة الحالية لرواندا التي تعتبر باريس مسؤولة في الدرجة الأولى في ما حصل في رواندا و أن عدم التدخل عند انطلاق عمليات التقتيل هو دليل على التواطئ. يبقى الملف مفتوحا أمام الباحثين لدراسة التقرير ومواصلة التثبت من الأرشيف عبر دراسات تاريخية مستقلة خاصة أن الباحث فرنسوا غرانيرقد حصل في شكوى رفعا ضد الحكومة الفرنسية عام 2020 على موافقة مجلس الدولة لفتح الأرشيف أمام الباحثين في هذا الملف. وهو ما يعطي فرصة للباحثين و المؤرخين لتقديم صورة موازية على حقيقة المشاركة الفرنسية في تقتيل التوتسي.
تقرير رسمي فرنسي يدين باريس في عملية التطهير العرقي في رواندا: الأرشيف الفرنسي يظهر «المسؤولية الثقيلة والساحقة» لأجهزة الدولة
- بقلم زين العابدين بن حمدة
- 10:12 30/03/2021
- 884 عدد المشاهدات
أدانت لجنة بحوث فرنسية رسمية «المسؤولية الثقيلة والساحقة» لباريس في عملية تقتيل 800 ألف توتسي في رواندا عام 1994