عمدت إلى «تعذيبه وقتله»عام 1957 وجاءت هذه الخطوة بعد صدور تقرير المؤرخ بنجامين ستورا حول الاستعمار وحرب الجزائر بطلب من قصر الإيليزي. وكان الرئيس الفرنسي قد اعترف رسميا في سبتمبر 2018 بمقتل المناضل الشيوعي موريس أودان في نفس الظروف وطلب المعذرة رسميا من عائلته.
وكانت السلطات الاستعمارية الفرنسية قد اعتبرت أن علي بومنجل قد «انتحر» في مكان احتجازه عندما ألقى بنفسه من الطابق السادس. واعتمدت باريس لعشرات السنين على نفس المروية الاستعمارية بالرغم من إقرار الجنرال أوساريس «سفاح الجزائر» بمسؤوليته في قتل علي بومنجل عام 2001 في برنامج تلفزي فرنسي. وصمت الرؤساء جاك شيراك ونيكولا ساركوزي و فرنسوا هولاند على هذه الجريمة. اليوم، إيمانويل ماكرون المولود بعد حرب الجزائر، يريد لبلاده طي تلك الصفحة الأليمة تماشيا مع إعلانه في الجزائر قبل انتخابه على رأس الدولة أن «الاستعمار جريمة ضد الإنسانية».
وكانت مليكة بومنجل زوجة الضحية قد ناضلت طوال حياتها للمطالبة بالحقيقة في شأن موت زوجها بعد أن تمّ دفنه في تابوت «دون كفن وصلاة» حسب عباراتها. ولم يستجب الرؤساء الفرنسيون منذ 1957 لمطالبها حتى وفاته عام 2020. لكن اعتراف ماكرون «باسم فرنسا» بمسؤوليتها في قتل بومنجل -وإن يهدف إلى تهدئة الخواطر- لا يعدو إلا أن يكون خطوة قصيرة في مسيرة المصالحة.
شجرة تخفي الغابة الاستعمارية
علي بومنجل المحامي الجزائري الذي يحظى في بلاده بلقب «شهيد الثورة» وتحمل عدة أنهج جزائرية اسمه أصبح رمزا لنضال جيل ضد الاستعمار بمختلف الأساليب. لم يكن علي بومنجل مقاتلا بل محاميا يسهر على الدفاع على المناضلين والمجاهدين أمام المحاكم الفرنسية. وتذكر المؤرخة مليكة رحال المختصة في تاريخ الجزائر والتي نشرت عام 2010 كتابا حول مسيرته بعنوان «علي بومنجل (1919 - 1957) قضية فرنسية و قصة جزائرية»أنه كان من المقربين من الزعيم فرحات عباس قبل أن يلتحق بجبهة التحرير الجزائرية دون أن يكون قياديا من الصف الأول بل كرس حياته للدفاع عن المقاتلين و المناضلين.
وتذكر المؤرخة مليكة رحال التي أطلقت مشروع «الألف الآخرون» أن أعداد الذين «اختفوا» خلال حرب التحرير لم يتمكن أحد من احصائهم وأن مثال علي بومنجل كثر. وهي تعمل على رسم قائمة بأسماء المختفين الذين قامت السلطات الفرنسية باعتقالهم. وهو موضوع ورد كذلك في تقرير بنجمين ستورا يهدف إلى العبور عبر الذاكرات المتقاطعة إلى حقيقة الاغتيالات وعمليات التمشيط الدامية من أجل طي صفحة الاقتتال عبر أعمال تاريخية وبحوث علمية نساهم في المصالحة.
صعوبات المصالحة
وبقى الجانب الجزائري الرسمي حذرا في تعاطيه مع المسالة. ولئن سارعت بعض الجمعيات والشخصيات في فرنسا وفي الجزائر بانتقاد ما جاء في تقرير بنجمين ستورا من مقترحات إلا أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون صرح للإعلام الجزائري في غرة شهر مارس قائلا «لن نتخلى ابدا على ذاكرتنا ولا ينبغي أن تصبح المسألة عملية متاجرة» مع التأكيد على أن العلاقات بين الجزائر وفرنسا طيبة. وأضاف: «لن نفضل حسن العلاقات على حساب التاريخ والذاكرة لكن المشاكل تحل بذكاء وبهدوء لا بالشعارات». وهي عبارات مشحونة تدل على الصعوبة التي توجد فيها الطبقة السياسية الجزائرية،وليدة حرب التحرير، التي تواجه شباب «الحراك» الشعبي منذ أكثر من سنة والذي لا يعطي مسألة الوفاء للذاكرة نفس الأهمية بل ينظر لفرنسا بمعطيات جديدة يتمازج فيها الفعل السياسي بالوضع الاقتصادي الداخلي الهش وبالتطلعات الثقافية والإنسانية التي ترى في فرنسا مثالا للتعامل الديمقراطي ولصيانة الحريات الفردية والعامة.
وقد حذر الجانب الجزائري في إطار هشاشة المشهد السياسي الداخلي والجزائر على أبواب انتخابات تشريعية سابقة لأوانها أرادها الرئيس عبد المجيد تبون «تنفيسا» للوضع ومحاولة لاسترجاع زمام الأمور بعد غياب طويل بسبب المرض. لكن القوى الخفية النافذة من داخل المؤسسة العسكرية ومن خارجها والتي هي تعتبر نفسها طرفا في المعادلة السياسية الداخلية وفي نسج العلاقات الخارجية لم تصل بعد لنفس القراءة التي تضمن في نفس الوقت الاستقرار الداخلي والتوجه الموحد لمواجهة عملية المصالحة الشاملة مع المستعمر القديم.