البرلمان الفرنسي يصادق على قانون «دعم المبادئ الجمهورية»: من محاربة «الانعزال الإسلامي» إلى مراقبة الجمعيات الأهلية

صادق البرلمان الفرنسي على قانون « دعم المبادئ الجمهورية» الذي تقدمت به الحكومة يوم 9 ديسمبر الماضي بإجماع 130 نائبا

مقابل 4 تحفظات من مجموع 577 نائبا تغيب جلهم على عملية التصويت. وكان رئيس الدولة إيمانويل ماكرون قد أعلن عن عزمه على تقديم مشروع قانون لمقاومة «الانعزال الإسلامي» يرمي إلى ردع كل الأشخاص والجمعيات، بما فيها دور العبادة التي لا تحترم القوانين الجمهورية أو تعتبر، مخالفة للنظام اللائكي الذي يعزل الدين عن الدولة وتعتبر أن الأحكام الدينية فوق قوانين البلاد.
ولئن كان التوجه في البداية مسلطا ضد مقاومة «الإسلام السياسي» من خلال، مساندة للموقف الرئاسي من قبل أعضاء في الحكومة وفي الحزب الحاكم ومعارضين يمينيين، فإن القانون الجديد جاء تحت عنوان دعم المبادئ الجمهورية حتى لا يفهم أنه يستهدف المسلمين أو، على مستوى دولي، البلدان التي تدعم الإسلام السياسي والتي لها علاقات اقتصادية واستراتيجية مع فرنسا مثل بلدان الخليج. جراء ذلك وقد أصبحت الصيغة الجديدة للقانون تمسح كل الجمعيات وكل الديانات بما في ذلك الديانة المسيحية والديانة اليهودية. مما أدخل إرباكا في صفوف الجمعيات والهيئات الدينية التي لم تكن معنية بالقانون.
رقابة الجمعيات ودور العبادة
لم يختلف القانون الجديد عن المشروع الذي قدمته الحكومة والتي نظرت فيه هيئة خاصة صلب البرلمان منذ 9 ديسمبر. وتعطي مختلف بنود القانون صلاحيات قانونية جديدة لوزارة الداخلية حتى تتمكن من مراقبة الأشخاص والجمعيات المشبوهة أو تلك التي صدر منها تصريح أو عمل مشتبه في أنه يكرس «الإنفصال» عن القوانين والتراتيب الفرنسية. ويفرض القانون على الجمعيات توقيع ميثاق جمهوري يجب الالتزام به. ويهدف هذا القانون إلى إعانة الدولة على «استرجاع» المناطق السكنية التي أصبحت تحت سيطرة جماعات وهيئات أسست بموجب قانون 1901 للجمعيات وقانون 1905 للائكية وفرضت سلطتها على سكان الضواحي وبعض الأحياء داخل المدن الكبرى متحدية قوانين البلاد. ويمكن كذلك من محاصرة الأشخاص الذين يظهرون مواقف دينية راديكالية داخل مؤسسات الدولة مثل الشرطة والحرس والجيش والشركات الوطنية.
ويسمح القانون الجديد بغلق المدارس القرآنية العشوائية التي لا تحترم النظم التعليمية المعتمدة والجمعيات الثقافية والرياضية التي اندسّ فيها منشطون تابعون للجماعات الإسلامية من أجل تأطير الشباب. كما يفرض قيودا جديدة على التعليم الخاص وعلى العائلات التي ترفض التعليم العمومي مع جعل التعليم إجباريا منذ سن الثالثة. ويفرض القانون سقفا للإعانات المالية الأجنبية لدور العبادة وللجمعيات الدينية التي تفوق 10 آلاف يورو. وتختص جملة من البنود بمجابهة التطرف الديني على شبكات الإنترنات. وتسهل كذلك شفافية ممارسة العبادات ومراقبة الأشخاص الذين يظهرون تطرفا دينيا يمكن أن يسفر إلى المشاركة في عمليات إرهابية.
مراقبة الأحوال الشخصية
وإضافة إلى هذه الإجراءات أحدث القانون عقوبات جديدة تصل إلى 3 سنوات سجنا ضد من ينشر معلومات عن الحياة الشخصية الخاصة التي يمكن أن تهدد حياة الآخرين وأخرى بخمس سنوات ضد كل من يهدد أو يستعمل العنف والتشهير ضد أعوان الوظيفة العمومية من أجل عدم الالتزام بقوانين الخدمة العمومية. وهو إجراء يرمي إلى حماية حياة الأشخاص، مثل أستاذ التاريخ سامويل باتي الذي ذبح من قبل متطرف شيشاني، من التعرض للتشهير والتهديد.
ويدعم القانون الإجراءات المعتمدة ضد تعدد الزوجات بإجراء جديد يرفض بموجبه منح رخصة إقامة لمن يمارس تعدد الزوجات. ويلزم القانون ضابط الحالة المدنية على التثبت من أن الزواج لم يقع تحت ضغوط أو إكراه من قبل العائلة ويسمح للإدارة برفض مراسم الزواج في حالة التعدي على حرية المرأة في اختيار زوجها ويدعم القانون حياد الإدارة وفرض المساواة بين الرجال والنساء في الفضاء العام ويمنع العاملين في قطاع الصحة من توقيع شهادات عذرية للبنات ولعائلاتهن قبل الزواج.
جدل حول القانون
وبالرغم من مساندة أغلبية الرأي العام الفرنسي لهذه الإجراءات الجديدة فإن الجدل لم ينته في خصوص تشديد أو رفض هذا القانون. فعند مناقشته في البرلمان أصر حزب الجمهوريين على إدراج قضية منع الحجاب «الإسلامي» في الفضاء العام على غرار منع النقاب. لكن أغلبية النواب لم يقبلوا هذا التنقيح استجابة لرغبة الحكومة في عدم المس من مشاعر المسلمين الفرنسيين وخاصة النساء اللاتي ترتدين الحجاب. وكانت الحكومة قد أكدت مرارا أن القانون لا يستهدف الإسلام والمسلمين بل يستهدف المتطرفين دينيا الذين يريدون فرض التعاليم الدينية على القانون الجمهوري.
وبالرغم من ذلك فإن أحزاب اليسار عبرت بوضوح عن عدم مساندتها للإجراءات المقترحة في القانون مع عدم التصويت ضدها في النهاية. لكن التخوف الأساسي جاء من الكنيسة الفرنسية ومن الحبر الأكبر في فرنسا وهما يمثلان الديانتين المسيحية واليهودية. وقد نبه كبار الأحبار حيم كورسيا من أن يستخدم «النظام اللائكي لإرساء مجتمع ملحد». في المقابل تعالت عديد الأصوات في الكنيسة الكاثوليكية للتعبير عن رفضها لبعض البنود التي تعتبرها تدخلا في حياة الديانات في حين القانون العام للبلاد يفرض استقلالية الدين عن الدولة. ويبقى الجدل مفتوحا بسبب قرب موعد انطلاق الحملات الانتخابية الجهوية والرئاسية التي تستعد المعارضات لخوضها وهي في حاجة لتجميع كل الانتقادات لمواجهة إيمانويل ماكرون وحكومته.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115