يوم 3 نوفمبر، أمريكا تختار ساكن البيت الأبيض: أربع سنوات إضافية من الانعزال والتقلب مع ترامب أو إعادة ترميم العلاقات الدولية مع بايدن؟

مع نهاية الحملة الانتخابية الأمريكية ينظر العالم إلى واشنطن وهو في حالة يسودها الحذر والخوف في استمرار تشنج العلاقات الدولية.

وازداد هذا الشعور عمقا مع وعد الرئيس دونالد ترامب الذي هدد بمقاضاة مراكز الفرز وعدم قبول الهزيمة وهي وضعية غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الأمريكية التي يسودها التعامل الحضاري مع نتائج الانتخابات والتي تسهر وسائل الإعلام على إبرازها كمظهر من مظاهر احترام الحياة الديمقراطية.

وقد برز هذا الشعور مع نشر نتائج استطلاعات الرأي منذ أكثر من شهر والتي أشارت إلى تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن على منافسه الجمهوري دون انقطاع بأكثر من 8 % من الأصوات على المستوى الوطني. وكان الملاحظون قد نبهوا إلى امكانية تكرار سيناريو انتخابات 2016 التي شهدت تقدم هيلاري كلينتون على دونالد ترامب بأربع نقاط تقدمت بموجبها على منافسها، بعد فرز الأصوات، بأكثر من 3 ملايين صوت على المستوى الوطني. لكنها خسرت الانتخابات لأن ما يحكمها في الولايات المتحدة الأمريكية هو عدد «كبار الناخبين». فالنظام الانتخابي الأمريكي يخصص لكل ولاية عددا من كبار الناخبين الذين يفوز معهم من يحصل على أغلبية في الأصوات في الولاية. العدد الجملي حدد ب 530 ويفوز بالبيت الأبيض من يحصل على 270 صوتا دون اعتبار عدد الأصوات المصرح بها على المستوى الوطني لكلا المرشحين.

مشهد انتخابي منقسم
الحزبان الكبيران الجمهوري والديمقراطي يتقاسمان عموما مناطق النفوذ في الولايات الأمريكية الخمسين. هنالك ولايات ترجع تقليديا للجمهوريين وأخرى للديمقراطيين. ومنذ سبعينيات القرن الماضي ودخول الأقليات في اللعبة الانتخابية سجل المشهد الانتخابي بعض التغيرات وأخذت بعض الولايات حيزا هاما في تعيين الرئيس لما فيها من تقلبات في مناصرة الحزبين. هذه المرة تتحول الأنظار حول 8 إلى 10 ولايات ستغير موازين القوى الانتخابية وتحدد مصير بايدن وترامب.

قامت صحيفة «ذي غارديان» اللندنية بإدارة إحصائيات المؤسسات الأمريكية المتعلقة بالانتخابات، وهي عادة ما تصيب في توقعاتها لأنها تتابع وتحصي كل عمليات سبر الآراء في مختلف الولايات وعلى المستوى الوطني وتقوم بإدارتها للوصول إلى أرقام عادة ما تكون قريبة من الواقع. وأشارت الى أن الناخبين يتقاسمان تقليديا 40 ملاية بالتناصف وأن 8 إلى 10ولايات سوف تلعب دورا أساسيا في ترشيح أحد الناخبين. وذكرت الصحيفة في تقرير نشر يوم 28 أكتوبر أن جو بايدن يتقدم على ترامب في 7 ولايات في حين الرئيس الحالي يتمتع بتقدم في واحدة (ولاية أوهايو). فهو -إذا تأكدت استطلاعات الرأي المحلية- سوف يخسر فلوريدا (1،9 % تقدم لبايدن) وبنسيلفانيا التي هي معقل تقليدي للديمقراطيين (5،8 % لبايدن) وقد مكنته من الفوز أمام هيلاري كلينتون. ويضيف بايدن كل من ميشيغان (8،4 %) وشمال كارولينا (2،1 %) وأريزونا (3،4 %) وويسكون سين (7،8 %) و إيووا (1،0 %). وأظهرت استطلاعات أخرى أمريكية أن جو بايدن أصبح على وشك تهديد ترامب في ولاية تكساس المعقل التقليدي للجمهوريين.

ويرجح المحللون في واشنطن أن استفاقة الأقليات، وفي طليعتهم السود واللاتينيون، وخاصة الشباب والنساء بعد عمليات العنف البوليسي ضد السود وفضائح التحرش الجنسي الذي تمحورت حول حركة «# مي تو» النسوية سوف يترجم على المستوى الانتخابي لصالح المرشح الديمقراطي. 90 مليون ناخب قاموا بواجبهم الانتخابي مباشرة أو عبر البريد قبل يوم 3 نوفمبر. وهو رقم قياسي في الانتخابات الأمريكية يشهد بحدة الاستقطاب ولا يعطي إشارة واضحة لنتيجة محتملة. لكن بعض مؤسسات الاستطلاع سربت تقارير غير رسمية تشير إلى تقدم لجو بايدن. لكن ذلك يمكن أن يدخل في إطار عمليات التأثير على الناخبين.

نظرتان مختلفتان للعلاقات الدولية
يحرك الناخب الأمريكي عادة يتعلق بالمسائل الداخلية التي تهم التشغيل والثراء وحرية الاستثمار والأعمال ولا تؤثر كثيرا العلاقات الدولية في ذلك وقد تركزت الحملة الانتخابية، في مجملها، حول التشهير بالخصم ولم يقدم فيها المرشحان أي برنامج في الحملات على المستوى المحلي. واقتصر دونالد ترامب على مهاجمة منافسه والتنكيل به مع نشر أخبار زائفة حوله. وقد أكد في بعض خطبه على الاستمرار في سياسته الانعزالية مركزا على مقاومة الإرهاب و مشيرا إلى التعامل المحتمل مع شركاء دوليين في «تنظيف البحار» و «تنقية الماء الصالح للشرب». واشارت بعض الأوساط في واشنطن إلى امكانية أن يقرر ترامب الخروج من الحلف الأطلسي. مما يشكل كابوسا حقيقيا بالنسبة للاتحاد الأوروبي الحليف التقليدي للولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب العالمية الأولى.

أما جو بايدن فقد نشر برنامجه الانتخابي الذي أكد فيه على عزمه الرجوع إلى المنتظم الأممي بإعادة عضوية بلده في المؤسسات الأممية والرجوع إلى اتفاق كوي 21 بباريس حول المناخ والاتفاق النووي الإيراني. وذكر أن حكومته سوف تخصص 2000 بليون دولار للاستثمار في التحول الإيكولوجي. وذكر التقرير أن بايدن سوف يعمل على التوصل إلى تحالف أممي من أجل فرض عدم انتشار الأسلحة النووية في كوريا الشمالية وإيران وفي غيرها من البلدان وأنه سوف يقوم بالتخلي عن سياسة الحرب الدائمة في أفغانستان. أما في ما يتعلق بالشرق الأوسط فيؤكد على ضرورة عدم مساندة الأنظمة الاستبداديةوالتخلي عن دعم الحرب على اليمن. كما أشار إلى عدم دعم التوجهات الشعبوية في أوروبا بما في ذلك سياسة بوريس جونسون في بريطانيا. يبقى الملف الصيني الذي تم تأسيسه منذ عهد باراك أوباما والذي سوف يبقى محل خلاف مع إدارة جو بايدن لكنه قد يختلف معه في أسلوب التعامل مع هذا الملف نظرا لشخصية جو بايدن الهادئة.

كل هذه المعطيات الموضوعية سواء التي نشرتها مؤسسات سبر الآراء أو تلك التي تحتويها برامج المرشحين لا يمكنها أن تعطي نظرة واضحة على مآل الانتخابات لما للمشهد السياسي الأمريكي من تعقيد بين ما هو فدرالي وما هو تابع لنفوذ الولايات. الواضح والجلي في كل التحاليل الواردة من الولايات المتحدة خوف الجميع من فترة ما بعد الانتخابات بعد أن أكد ترامب عن نيته التشكيك في نتيجتها في صورة ما إذا لم تكن لصالحه وبعد أن بشرت بعض الميليشيات اليمينية المسلحة بحمام دم في صورة «انتزعت منها السلطة بتزوير الانتخابات». خطاب معتاد في الدول النامية والمتخلفة لكنه بدعة في أعرق الدول الديمقراطية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115