بعد الهجوم الإرهابي الجبان في مدينة «نيس»: صدمة في فرنسا ومخاوف من هجمات عنصرية تستهدف الجالية المسلمة

بدأت تتضح شيئا فشيئا بعض تفاصيل العملية الإرهابية المروّعة التي وقعت يوم الخميس في فرنسا وأسفرت عن مقتل ثلاثة اشخاص في كنيسة نيس،

فمرتكب الجريمة مهاجر تونسي يدعى إبراهيم عويساوي، وفق مصادر فرنسية مطلعة على التحقيقات، ويبلغ من العمر 21 عاماً. وقد وصل إلى فرنسا في 9 أكتوبر آتياً من لامبيدوزا الايطالية حيث كانت السلطات المحلية قد ألزمته بحجر صحي قبل أن يرغم على مغادرة الأراضي الإيطالية ولم يتقدّم بطلب لجوء في فرنسا.

وتبين أن إحدى ضحايا الهجوم مواطنة برازيلية حسب ما أعلنت عن ذلك وزارة خارجيّة البرازيل ولا زالت التحقيقات متواصلة لمعرفة من يقف وراء هذا الهجوم ومن خطط له .

وقد أعلن مصدر قضائي فرنسي أمس عن أنّ رجلا في السابعة والأربعين من العمر يشتبه بأنه على صلة بمنفذ اعتداء نيس حيث قتل ثلاثة أشخاص في كنيسة وقد أوقف وهو قيد التحقيق. وقال المصدر القضائي إنه يشتبه بأن الرجل المحتجز كان على اتصال به في اليوم السابق للأحداث، مؤكدا بذلك معلومات نشرتها صحيفة «نيس-ماتان» اليومية. لكن المصدر المطلع على الملف دعا إلى توخي الحذر من طبيعة المبادلات بينهما. وبحسب مصدر ثان مطلع على القضية، فقد تم اعتقال الرجل. وقد جد المحققون سلاح الجريمة في الكنيسة وهو سكين يبلغ نصله 17 سنتيمترا، وفق المدّعي الفرنسي العام لمكافحة الإرهاب جان-فرانسوا ريكارد. كما عثر على حقيبة أمتعة شخصية ومصحف وهاتفين وسكاكين غير مستخدمة.

لقد خلفت هذه الحادثة المرعبة صدمة كبيرة لا في فرنسا فحسب بل في العالم كله بوصفها جريمة ضد الإنسانية، هذا في الوقت الذي قال فيه وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان أمس الجمعة أن فرنسا تخوض حربا ضد الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة، ومن المرجح وقوع المزيد من هجمات المتشددين على أراضيها. ليضع بذلك الإطار العام لتوجهات فرنسا القادمة وما يمكن ان يتمخض عنها من إجراءات تستهدف المهاجرين من أصول إسلامية .

والأكيد أن الجالية المسلمة في فرنسا اليوم وفي اوروبا وخاصة التونسية ستكون في وضع لا تحسد عليه وهي تحبس أنفاسها بشأن الخطوات والإجراءات التي ستتبعها السلط الفرنسية والتي ستتخذ ما تراه مناسبا لحماية أمنها القومي من المتطرفين والإرهابيين التكفيريين، ولكن الهاجس الأكبر اليوم لدى الجالية المسلمة عموما هو ان يتم تحميلها وزر هذه الجريمة النكراء البشعة . وذلك في اطار تصاعد خطاب الكراهية الذي بدأ يأخذ منحى أكثر تطرفا تجاه الأقلية المسلمة سواء في أوروبا او في غيرها.

وقال دارمانان «نحن نخوض حربا ضد عدو موجود في الداخل والخارج». وأضاف «علينا أن ندرك أن مثل هذه الهجمات المروعة التي وقعت ستتبعها أحداث أخرى مثلها».

وفي الحقيقة يخوض العالم حربا ضد عدو موجود في الداخل والخارج وليس هناك اليوم مكان بمنأى عن خطر الإرهاب التكفيري السلفي وهذا الفكر القائم على القتل والموت والذبح. واكثر ما عانى من هذه الهجمات هم المسلمون والعرب أنفسهم الذين سالت دماؤهم على يد إرهابيين جبناء يحملون هذا الفكر المتطرف المدعوم من منظمات إرهابية عابرة للقارات والبلدان مثل القاعدة وداعش وغيرها .

لقد عاشت المنطقة العربية خلال السنوات الماضية على وقع محاولات داعش الإرهابي بناء دولته المزعومة في جزء من أراضي سوريا والعراق ولكن هذا المخطط الاجرامي فشل امام إرادة الشعبين السوري والعراقي في اجتثاث الإرهاب والقضاء عليه . ومشهد قطع الرؤوس او حرق الأسرى تكرر مرارا بكل بشاعته واستفزاز ومأساويه في عديد الدول العربية التي استهدفها الإرهاب. ولكن الإرهاب لم ينته مع انتهاء «دولة الخلافة الداعشية « في العراق وسوريا بل تحولت جرائمه الى اشكال أخرى على غرار عمليات الذئاب المنفردة التي تحصد المزيد من الضحايا واليوم تبدو فرنسا مستهدفة من قبل هؤلاء الإرهابيين اكثر من أي وقت مضى .

يبدو جليا اليوم ان هذه الجماعات الإرهابية لا تتحرك بمفردها بل وفق مخططات متكاملة للمنطقة والعالم ، وهي تريد اليوم اقحام الإسلام في صراع على الهوية بين المجتمعات المسلمة والغربية وإعادة عقاب التاريخ الى الوراء عبر استحضار الحروب التي كانت تجرى سابقا باسم الأديان .

ويتطلب هذا المخطط الإرهابي تعاونا -اليوم- وتكثيف الجهود لمحاصرته ووأد الفتنة في مهدها قبل أن تتوسع أكثر وتسفر عن مزيد الضحايا الأبرياء ومشاهد القتل العنيفة التي زادت الأوضاع في العالم بؤسا وقتامة . فمحاربة الإرهاب واجتثاثه تتطلب استراتيجية فكرية متكاملة قائمة على زرع ثقافة التعايش السلمي وقبول الآخر المختلف لدى الناشئة والأجيال الجديدة قبل ان يستقطبها الإرهاب الى مستنقعاته .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115