لبنان في حداد وطني وبيروت تلملم شظاياها: انفجار في مستوى حرب أو قنبلة نووية... أكثر من 100 شهيد وآلاف الجرحى ورسائل تضامن عربية وعالمية

 روعة قاسم  ووفاء العرفاوي 

4 أوت 2020 يوم لن ينسى في ذاكرة اللبنانيين ...هو اليوم الذي دمرت فيه بيروت مرة أخرى وانتفضت الأرض غاضبة لتبتلع كل شيء في لحظات .

مرّت على المدينة العديد من الكوارث في تاريخها من زلازل وحروب كانت آخرها الحرب الأهلية اللبنانية المدمرة. ولكنها كانت في كل مرة تنفض الرماد ورائحة الموت عنها. بيروت التي أعادت الدولة بناءها في عهد حكومة رئيس وزراء لبنان الشهيد رفيق الحريري سنة 1990 تدمرت مجددا ، وكان حجم الدمار غير مسبوق حتى في أشد أيام الحرب الأهلية قسوة وقتامة وهناك تقديرات بأن الخسائر تفوق الـ 4 مليارات دولار . أكثر من 135 شهيدا و5000 جريحا وعشرات المفقودين والعدد مرشح للإزدياد حسب ما صرح به رئيس لجنة الصحة في البرلمان اللبناني عاصم عراجي مؤكدا في حديث خاص لـ«المغرب» ان ما حصل كارثة كبيرة تتطلب اغاثة دولية لمساعدة لبنان».
أبنية محطمة ورماد متناثر وأشلاء متطايرة ،جرحى وشهداء ومفقودون وطواقم طبيبة تحاول انقاذ ما يمكن إنقاذه ولكن حجم الكارثة كان أكبر من قدرة المستشفيات اللبنانية على احتوائه، مما دفع عديد الدول منها تونس الى ارسال طائرات عسكرية تحمل طواقم طبيبة لمداواة المصابين والجرحى في حين قدمت دول أخرى مستشفيات ميدانية. بيروت التي تألقت بوسطها التجاري وواجهتها البحرية وكانت مصنفة من ضمن المدن العشرة الأوائل الأكثر حيوية في عام 2009 ، تحولت اليوم الى عاصمة منكوبة تستغيث لمد العون. فيما تمّ فتح المدارس أمام العائلات المتضررة وأعلن الحداد الوطني والإقفال لمدة 3 أيام‎ على خلفية الانفجار.
من المسؤول ؟
لقد تعددت الروايات بشأن مسببات الانفجار الذي تردد صداه في كل ضواحي بيروت ووصل حتى الى البقاع ومنطقة جبيل وكسروان وعالية والشوف وخلفّ سحابة دخان كثيفة فوق العاصمة. وأفادت المعلومات الأولية بأنه ناتج عن انفجار مستودع في العنبر رقم 12 في مرفإ بيروت بعد حريق تسبّب به احتكاك كهربائي مما أدى الى اشتعال 2700 طن من مادة نيترات الصوديوم كانت مخزنة فيه بعد مصادرتها قبل سنوات . ويعود تخزين هذه المادة الخطيرة الى سنة 2014 حينما تم توقيف سفينة على متنها كمية كبيرة من المادة كانت ستتوجه الى بعض البلدان الإفريقية. وبسبب طارئ تقني توقفت السفينة وتأجل استئناف رحلتها وصودرت حمولة السفينة ووقع تخزين شحنة نيترات الأمونيوم في المنشآت اللبنانية حيث وقع الانفجار لاحقا بعد ستّ سنوات 2020.
فيما تداول البعض روايات أخرى مفادها استهداف طيران إسرائيلي لهذا المخزن في المرفإ. فمن المتسبب في هذه الفاجعة هل هو الإهمال والفساد أم هي عملية مدبرة من أعداء لبنان وفي مقدمتهم العدو الصهيوني؟
محمد دهيبي ناشط في المجتمع المدني كان متواجدا على عين المكان وقت الانفجار تحدث لـ«المغرب» عن تفاصيل ما حدث في يوم الرعب الأسود قائلا: «فور وصولي الى منطقة وسط بيروت دوىّ صوت انفجار قوي وسرعان ما شاهدت سحابة رمادية كبيرة في الأجواء غطت سماء بيروت وبعدها رأيت السيارات تتطاير من حولي والأشلاء متناثرة والدماء تغطي كل الوجوه، وفي البداية عمت الصدمة المكان لم نفهم ما الذي حصل هو هل زلزال أم عملية ارهابية . وقد أصبت بجروح طفيفة وتوجهت الى منطقة الجميزة هناك كانت كل الأبنية والمحلات قد تطايرت والواجهات سقطت على المارين. وبادرنا لانتشال الجثث والجرحى وحاولنا قدر الإمكان مساعدة الجرحى على الوصول الى المستشفيات... منظر مرعب لم نر مثيلا له، اطفال ونساء جرحى على الطرقات وليس هناك إلا صوت البكاء والصراخ والعويل».
المجلس الأعلى للدفاع يعلن بيروت مدينة منكوبة
وأعلن المجلس الأعلى للدفاع في لبنان في جلسة استثنائية مساء اول امس الثلاثاء، العاصمة بيروت مدينة منكوبة ورفع توصية بإعلان حالة الطوارئ فيها لمدة أسبوعين. وقرر المجلس في الجلسة التي عقدها في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور رئيس الحكومة حسان دياب «إعلان بيروت مدينة منكوبة، وإعلان حالة الطوارئ فيها لمدة أسبوعين»، حسب بيان صادر عن رئاسة الجمهورية.
وكلّف المجلس «لجنة تحقيق بالأسباب التي أدت إلى وقوع كارثة الانفجار التي حصلت في مرفإ بيروت ورفع نتيجة عملها إلى المراجع القضائية المختصة في مهلة أقصاها 5 أيام من تاريخه، على أن تتخذ أقصى درجات العقوبات بحق المسؤولين».وقرر المجلس «تأمين المساعدات اللازمة للقطاع الاستشفائي، وتكليف الهيئة العليا للإغاثة إجراء مسح للأضرار وتأمين إيواء العائلات التي تضررت منازلها». ودعا عون خلال الجلسة إلى الاهتمام بالمواطنين الذين تضرروا نتيجة هذه «الكارثة»، وإلى ضرورة «إجراء تحقيقات ومحاسبة المسؤولين عما حصل». وأعلن عن تلقيه سلسلة اتصالات من ملوك ورؤساء دول عربية وأجنبية أعربوا عن تضامنهم مع لبنان ورغبتهم في تقديم المساعدات اللازمة. من جهته، أكد دياب أنه «لن يرتاح حتى إيجاد المسؤول عما حصل ومحاسبته وإنزال أشد العقوبات به لأنه من غير المقبول أن تكون شحنة من نترات الأمونيوم تقدر بـ 2750 طناً موجودة منذ ست سنوات في مستودع، من دون اتخاذ إجراءات وقائية».
وقرر عون ، حسب البيان «تشكيل خلية أزمة في القصر الجمهوري برئاسة مدير عام رئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير، تكون مهمتها مواكبة تداعيات الكارثة التي وقعت في مرفأ بيروت، والتنسيق الحثيث مع خلية الأزمة التي شكلها المجلس الأعلى للدفاع لهذه الغاية، ومع الجهات المعنية».
ولا زال عشرات الأشخاص في عداد المفقودين جراء الانفجار.
وقال بيان صادر عن الناطق الرسمي باسم القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان «يونفيل» أندريا تيننتي حول الانفجار في بيروت إنه «نتيجة للانفجار الهائل الذي هز مرفأ بيروت مساء اليوم (الثلاثاء)، تضررت إحدى سفن اليونيفيل التابعة لقوة اليونيفيل البحرية التي كانت راسية في المرفأ، مما أدى إلى إصابة عدد من أفراد قوات حفظ السلام التابعة للبحرية بجروح بعضهم إصاباتهم خطيرة».
من جهته أعلن حزب الله في بيان مساء الثلاثاء أن «هذه الفاجعة الأليمة وما خلفته من دمار غير مسبوق وعواقب خطيرة على مختلف المستويات الإنسانية والصحية والاجتماعية والاقتصادية تستدعي من جميع اللبنانيين وجميع القوى السياسية والفاعليات الوطنية التضامن والوحدة والعمل المشترك لتجاوز آثار هذه المحنة القاسية والوقوف مجدداً بعزم وإرادة لمواجهة الصعاب والتحديات المستجدة». وناشدت مستشفيات بيروت نقل الجرحى إلى مستشفيات أخرى خارج العاصمة بسبب عدم قدرتها على استيعاب الجرحى. كما ناشدت من أصيبوا بجروح طفيفة التوجه إلى الصيدليات.
يدفع اليوم شعب لبنان ثمن الأزمات الاقليمية والدولية وثمن الخلافات والانقسامات السياسية سواء في الداخل والخارج ، وليس أمامهم سوى الوحدة لتجاوز المحنة ولإعادة ترميم ما هدم فبيروت « ست الدنيا» لا تعرف الهزيمة ومثلما تهدمت عديد المرات سيعيد أبناؤها اعمار ما تهدم بسواعدهم وقلوبهم وعزيمتهم الصلبة ...وينتظر اللبنانيون نتيجة التحقيقات المنتظر ان تخرج خلال الأيام القادمة ولكن في خضم كل ذلك هناك حالة من الغضب الشعبي غير مسبوقة ... غضب على كل الطبقة السياسية التي يحمّلها البنانيون مسؤولية الفساد المتفشي والذي بات ينخر مؤسسات الدولة .
الكاتب والصحفي اللبناني سعد الياس لـ«المغرب»:
«مرفأ بيروت لؤلؤة المرافئ في الشرق الأوسط ولبنان يعول على الدعم العربي والغربي لمجابهة الكارثة»
قال الكاتب والصحفي اللبناني سعد الياس لـ«المغرب» أنّ بيروت التي يتغنى بها الجميع «ياستّ الدنيا يا بيروت» استفاقت اليوم على هول الانفجار الذي هزها، وكان بمثابة زلزال نتيجة انفجار كميات كبيرة من مادة نترات «الأمونيوم».
وأضاف «نحن نعرف أنّ الزعيم اللبناني الشهيد رفيق الحريري استهدف أيضا بنحو طنين من مادة ت ن ت فكيف ستكون تداعيات وآثار انفجار 2750 طن من هذه المادة ؟ التي تعادل مايقارب 800 طن من ت ن ت ؟» على حد تعبيره.
وأكد الياس أن الدمار الذي هز بيروت أمس الأول لم يشهد له مثيل على امتداد سنوات الحرب سواء على مستوى الشوارع أو المستشفيات أو المحلات و أيضا ماخلفه من تهجير وتشريد آلاف العائلات من منازلها ، معتبرا أن «ماحصل كارثة كبرى حلت بالعاصمة اللبنانية تلاها إعلان الحداد وتنكيس الأعلام وفرض حالة الطوارئ ، كما أن هناك محاولة للملمة الوضع ومعاينة الأوضاع خاصة وأن مرفأ بيروت كان لؤلؤة المرافئ في منطقة الشرق الأوسط ينافس بقوة مرفأ حيفا الذي يديره العدو الصهيوني ، هذا سيخلق مشكلة كبرى على مستوى استيراد المواد الأساسية للبنان والتي سيتم تحويل بعضها إلى مرفإ طرابلس والبعض الآخر إلى مرفإ صيدا».
وبخصوص المشهد المقبل قال محدثنا «نأمل أن يحصل لبنان على الدعم اللازم من الدول العربية ومن العالم أجمع لينهض لبنان من تحت الأنقاض ونأمل أيضا أن يعي الفرقاء اللبنانيين الفاشلين أهمية الدول العربية الشقيقة وبعض الدول الصديقة وخاصة منها فرنسا التي كال لها رئيس الحكومة الجديد حسان دياب إلى انتقادات قوية وحادة ، ومن تبعات ماحصل وجود دعوة لفتح تحقيق دولي فيما حصل لغياب الثقة في مؤسسات الدولة اللبنانية والقضائية».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115