الإنقسام الداخلي يسود المشهد: تداخل الأدوار الخارجية يشتت جهود التسوية الصعبة في ليبيا

زادت في الآونة الأخيرة حدة الصراع الداخلي في ليبيا بين قوات مايعرف بالجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر وقوات حكومة الوفاق الوطني

بقيادة فايز السراج خصوصا بعد إعلان حفتر قبوله «تفويضا شعبيا» لإدارة شؤون البلاد وهو ماخلف غضبا داخليا وخارجيا واسع النطاق سواء من المجتمع الدولي او من حلفاء جانبي الصراع.

ويرى مراقبون أن الدعم التركي لحكومة السراج والذي ظهر منذ الإعلان عن اتفاقية التفاهم البحرية الأخيرة والتي تضمنت بنودا أثارت حفيظة دول جوار ليبيا وأيضا دول جوار تركيا . وذلك وسط اتهامات لحكومة رجب طيب أردوغان بمحاولة فرض موطىء قدم له في شمال افريقيا ومحاولة إغراق ليبيا في مستنقع شبيه بالمستنقع السوري، مع العلم أن منظمات ودول تؤكد أن أنقرة ترسل منذ بدء دعمها لحكومة السراج أعداد من المقاتلين من سوريا وعتادا عسكريا وسط تنديد دولي ومحلي.

التوتر في ليبيا زاد مؤخرا إذ هددت تركيا يوم أمس وفق بيان لخارجيتها بضرب واستهداف قوات حفتر واعتبارها «أهدافا مشروعة» في حال تعرضت بعثاتها أو مصالحها في ليبيا لأي استهداف من قبل قوات المشير حفتر خاصة وأن المعارك في البلاد احتدمت في الفترة الأخيرة. وانتقد البيان الصادر عن وزارة الخارجية التركية الأمم المتحدة لعدم اتخاذها إجراء بعد هجمات حفتر.وأضاف البيان ”ليس مقبولا أن تظل الأمم المتحدة بعد الآن على صمتها إزاء هذه المذبحة“. وتابع قائلا ”البلدان التي تقدم المساعدات العسكرية والمالية والسياسية لحفتر مسؤولة عن معاناة الشعب الليبي وكذلك الفوضى وعدم الاستقرار الذي تُجَر إليه البلاد“.

ويعتبر مراقبون أن هذا الموقف التركي جاء كرد على البيان الصادر عن وزراء خارجية مصر واليونان وقبرص وفرنسا والذي أدان بشدة التدخل العسكري التركي في ليبيا، كما حثت هذه الدول _التي اجتمعت عبر خاصية الفيديو_ تركيا على الاحترام الكامل لحظر السلاح الأممي ووقف تدفق المقاتلين الأجانب من سورية إلى ليبيا، لما يشكله ذلك من تهديد لاستقرار دول جوار ليبيا في أفريقيا وكذلك في أوروبا.

جاء ذلك في بيان عقب اجتماع عقده يوم أمس الاول الاثنين وزراء تلك الدول عبر الفيديو إلى جانب وزير الخارجية الإماراتي، لمناقشة آخر التطورات المُثيرة للقلق في شرق البحر المتوسط، بالإضافة إلى عددٍ من الأزمات الإقليمية التي تُهدد السلام والاستقرار في تلك المنطقة.

كما أعرب الوزراء عن أسفهم العميق إزاء تصاعد المواجهات العسكرية في ليبيا، مع تذكيرهم بالالتزام بالامتناع عن أي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا على النحو المُتفق عليه في خلاصات مؤتمر برلين. وأعاد الوزراء التأكيد على أن» كلاً من مذكرة التفاهم بشأن تعيين الحدود البحرية في البحر المتوسط، ومذكرة التفاهم بشأن التعاون الأمني والعسكري، الموقعتيّن في نوفمبر 2019 بين تركيا ورئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج، تتعارضان مع القانون الدولي وحظر السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، كما تُقوضان الاستقرار الإقليمي».

تنديد وتشكيك
هذا البيان ترجم رفض هذه الدول أولا للدور التركي في ليبيا وأيضا رفضا واضحا للإتفاقية الموقعة في نوفمبر المنقضي بين حكومة السراج وحكومة أردوغان . وجاء رد حكومة الوفاق بأن «بيان تلك الدول تضمن عددا من المغالطات والتجاوزات بحق الدولة الليبية وسيادتها الوطنية، وللحكومة الليبية الحق الكامل والشرعي في الدفاع عن مصالح مواطنيها الاقتصادية باعتبارها حكومة معترف بها دوليًا».

وأبدت وزارة الخارجية بحكومة الوفاق الوطني الليبية استغرابها مما ورد في بيان فرنسا ومصر واليونان والإمارات بشأن مذكرة التفاهم الليبية التركية، واصفة البيان بأنه «تدخل سافر في شؤون ليبيا الداخلية وتزييف للحقائق لا يمكن قبوله».
وتابعت: «مذكرة التفاهم الليبية التركية التي وقعت بين حكومتي دولتين متشاطئتين على البحر الأبيض المتوسط وفقاً للاتفاقيات والمواثيق الدولية ولا تمس بحقوق أي طرف ثالث»، وأشار البيان إلى أن ليبيا كانت قد أعلنت عن استعدادها للتفاوض وتوضيح وجهة نظرها لأي طرف يعتقد أنه تضرر، علاوة على حقه في اللجوء للقضاء، كما فعلت ليبيا وتونس ومالطا في قضايا مشابهة».

واستغربت الوزارة من وجود دولة الإمارات العربية المتحدة في البيان الصادر رغم أنها دولة غير متوسطية، مشيرة إلى أن هذا «يوحي بوجود أهداف ومآرب أخرى»، على حد وصف البيان.

تشتت جهود التسوية
هذه المواقف المتضاربة وتزامنها مع التصعيد العسكري الميداني بين قوات الجيش من جهة وقوات حكومة الوفاق من جهة أخرى تؤكد أن جهود فرض تسوية سياسية شاملة في ليبيا لازال فرضية صعبة التحقق خاصة في ظل التحالفات المتعددة والمتعلقة بالشأن الليبي.
تجاذبات خارجية متزايدة بين فاعلين عرب ودوليين ،وزادت حدة تداخل الأدوار الخارجية في المشهد الليبي مؤخرا خاصة بعد التوقيع على اتفاق مثير للجدل بين حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج والحكومة التركية بقيادة رجب طيب اردوغان .

الدور التركي في ليبيا ليس وليد الأحداث الراهنة بل إنه ظهر منذ بداية الأزمة الليبية إلاّ أن الأحداث الأخيرة ومحاولات أنقرة استثمار الملف الليبي كورقة ضغط جديدة ضد المجتمع الدولي ، خلفت حالة من الاستنفار سواء على الصعيد الداخلي في ليبيا أو على الصعيد الإقليمي متمثلا في موقف مصري غاضب من الاتفاق الموقع بين السراج واردوغان- باعتبار أن القاهرة داعم رئيسي للجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر- أو على الصعيد الدولي متمثلا في كل من روسيا -التي اصطفت بدورها إلى جانب حفتر معلنة عن رفضها لتنامي الدور التركي في ليبيا- ومن الجانب الأمريكي الذي يحاول بدوره كسب نقاط إضافية في محاولاته استعادة النفوذ في شمال افريقيا وخاصة ليبيا رغم ضبابية موقفه من الأطراف المتقاتلة في ليبيا. فرغم استنكاره لإعلان حفتر أدارته لشؤون البلاد لم تحسم امريكا موقفها مما يحصل في ليبيا وهو مايعتبره مراقبون محاولة لاستغلال كل الفرضيات.

ورغم خشية مختلف الأطراف الفاعلة في الأزمة الليبية من الحرب المؤجلة في ليبيا وتزايد الدعوات لوقف الاقتتال هناك، يرى مراقبون انّ التطورات الراهنة وإرسال قوات برية لمعاضدة حكومة الوفاق ودخول اللاعب التركي بكل ثقله على الارض. وماقابله من اصطفاف دولي خلف هذا الطرف الليبي او ذلك ، كل ذلك يدل على أنّ الأرض الليبية باتت اليوم رسميا أرض صراع بين القوى الدولية على غرار ماعاشته سوريا خلال الأعوام الأخيرة .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115