سفير دولة فلسطين في تونس هايل الفاهوم لـ«المغرب»: سنستمر في ابتداع كافة وسائل الصمود و«صفقة القرن» ستفشل

• أهم تحدي أمامنا هو أن نتخلص من حالة الانقسامات الداخلية ونوحّد صفوفنا ونطوّر وعينا

قُوبلت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط او ما يسمى بـ «صفقة القرن» المشؤومة برفض وغضب فلسطيني شعبي ورسمي ، عبّر عنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوصفه للخطة بأنها «صفعة القرن» . ولعل أخطر النقاط في هذه الخطة هو وضع جدول زمني مدته أربع سنوات حتى يقبل الفلسطينيون بترتيب أمني مع «إسرائيل» ويوقفون هجمات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وينشئون مؤسسات للحكم في سبيل إقامة دولة فلسطينية تكون عاصمتها في أبو ديس وهي منطقة في القدس الشرقية. واكد الرئيس عباس ان فلسطين ليست للبيع وليست للمساومة . وان المؤامرة لن تمر فيما جرت امس مظاهرات في عديد المدن الفلسطينية منددة بالصفقة وداعميها من بعض الدول العربية والإقليمية . في هذا السياق أكد سفير دولة فلسطين في تونس هايل الفاهوم في حوار خاص لـ «المغرب» ان هذه الصفقة ستسقط وستفشل حتما مؤكدا ان الشعب الفلسطيني على مدى الأعوام الماضية استطاع ابتداع وابتكار أشكال مختلفة من المقاومة مشددا على ضرورة الوحدة الداخلية لمواجهة كل التحديات والاستراتيجيات الصهيونية التي تواجه المنطقة. وفي ما يتعلق باعلان بعض دول المنطقة تأييدها وترحيبها بخطة ترامب أكد الفاهوم ان من يبيع صديقه او جاره فكأنه باع ذاته وهو الخاسر .

• أولا ما قراءتكم وموقفكم من اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبنود صفقة القرن ؟
في الحقيقة ان ذلك يأتي ضمن استراتيجية تآمرية تمّ التخطيط لها ومحاولة تنفيذها بشكل مباشر لأكثر من مئة عام . الأمريكيون والبريطانيون والحركة الصهيونية الانجيلية والحركة الصهيونية الاستيطانية كانوا وراء خطة وعد بلفور الذي استهدفوا من خلاله المنطقة برمتها . والآن يحاولون ان يلعبوا اوراقهم الأخيرة بعد ان فشلت استراتيجيتهم في تبخير الهوية الوطنية الفلسطينية . فهي محاولة صهيو -أمريكية انجيلية وصهيونية استيطانية لتبخير الحق الفلسطيني . هنا الآن يكتشف العالم -اذا كان يعي ويقرأ الحقائق الموضوعية ، ان الصراع ليس فلسطينيا إسرائيليا بل الشعب الفلسطيني في دفاعه عن حقه يدافع عن حقوق البشرية جمعاء بما فيهم الأمريكيون واليهود والعرب والأفارقة وكل انحاء العالم في مواجهة هذه النخب الشيطانية التي تسعى للهيمنة المباشرة على شعوبها والشعوب الأخرى . فمواجهة الشعب الفلسطيني وصموده في اطار اعجازي في الواقع في تاريخ البشرية جمعاء ليس في اطار الدفاع عن حقه فقط بل عن حق البشرية جمعاء . هنا أعود هنا الى جملة قالها الرئيس التونسي قيس سعيد بأن الحق الفلسطيني ليس للبيع وليس تجارة عقارات لان ترامب تاجر عقارات بل الحق الفلسطيني هو حق مطلق وهذه المبادرة هي ورقة أخيرة يريدون ان يفرضوها على العالم لتصفية ليس فقط الحق الفلسطيني بل حقوق البشرية جمعاء .

• بالنسبة لكم ما هو التحرك القادم فلسطينيا وعربيا ودوليا؟
في رأيي المجتمع الدولي برمته يجب ان يتحرك اذا كان لديه الوعي بأن المخطط يستهدف تفكيك المجتمع الكوني لصالح فئة لا تتعدى 0.1 بالمئة من ديمغرافية العالم والتي تسمي نفسها «نخبة» المنظومة المسيطرة على العالم . لان الاستعمار له أشكال عديدة بدءا بالسيطرة على الأرض ثم السيطرة على المصادر ثم تفتيت الشعوب والهيمنة على المنظومة المالية العالمية و60 بالمائة منها افتراضية وليست حقيقية وكذلك الهيمنة على عقول البشر. وعلينا أنّ نعي مخاطر هذا التسويف للحقائق ومواجهتها . نحن نواجه هذه الإستراتيجية بقدراتنا المتواضعة وطاقاتنا الكامنة وتمسكنا بحقنا على أرضنا وصمودنا وتمسكنا بالعودة إلى وطننا . وهذا هو الذي هزّ هذه الإستراتيجية الكونية من داخلها . لذلك الشعب الفلسطيني في طاقاته الطبيعية المحدودة صامد ولو تعرضت دول عظمى وقارات لما تعرض له شعبنا لكانت قد تهاوت أمام هذه الإستراتيجية وشعبنا ما زال صامدا على أرضه . الشعب الفلسطيني الآن منه ست ونصف مليون مقيم على الأرض الفلسطينية بالرغم من المذابح التي ارتكبت ضده وبالرغم من محاولات التهجير والتقسيم وإدخاله في حلقات مفرغة وترتيبات لإزالتنا من المعادلة الكونية والإقليمية وفرض دولة صهيونية لها وظيفة محددة لدعم هذه الإستراتيجية الكونية للهيمنة ليس على المنطقة فقط بل على البشرية .
فنحن واجهنا هذه الإستراتيجية بشكل مباشر لأكثر من قرن وخلال مئة عام مضت وسنستمر في ابتداع كافة وسائل الصمود وستفشل هذه المبادرة .

• هناك ضغوطات إقليمية وعربية لفرض الصفقة فكيف تواجهون ذلك ؟
هذه الضغوطات كانت مستمرة وأدوات هذه الإستراتيجية لم تنقطع للحظة واحدة، خلال كل تلك العقود كانت تمارس على شعبنا محاولات للإحباط والاستسلام والتجهيل ..زوروا الحقائق التاريخية والكتابات الإلهية وزوروا التوراة وزوروا التاريخ وكل شيء، وبالرغم من كل هذا شعبكنا في فلسطين ما زال يدافع عن حق البشرية في الوجود . فلسطين هي الثابت في أية توازنات ليس فقط إقليمية بل دولية أيضا وإذا سقط هذا الثابت من المعادلة ستسقط كل التوازنات الدولية، والبشرية ستدفع الثمن غالي من خلال تبخير حقوقها حتى في داخل بيوتها. نتيناهو بغروره طوّر ما يسمى بإستراتيجية انتحارية نحن نعاني منها مباشرة ولكن غدا حتى اليهود سيكونون ضحية هذه الإستراتيجية الانتحارية. وهؤلاء الذين يدعون أنهم يدعمونه ، لكنهم يريدون التخلص منه لذلك فإن « اللاسامية» والعنصرية تأتي من أولئك الذين يدعون أنهم ضد اللاسامية . نحن ساميون والجرائم التي ارتكبت ضد المواطنين اليهود في العالم لسنا نحن من ارتبكها ودفَعت أثمان هذه الجرائم من جيوب الشعب الفلسطيني . هم اللاساميون ولسنا نحن، حتى الانجيلية الصهيونية التي شكلت الحركة الصهيونية المالية والاستيطانية والاستعمارية يحاولون تفعيلها الآن والهدف هو التخلص من اليهود بحجة ان المسيح سيأتي ويقضي على اليهود ويقيم الدولة المسيحية . حتى الفكرة الأساسية مبنية على التخلص منهم . وهؤلاء هم اتباع الصهيونية الانجيلية ومنهم كثر في الإدارة الأمريكية الحالية مثل وزير الخارجية بومبيو .
دول عظمى تعرف خطأ مسار الاستراتيجية التي يصورها ترامب ويتحكم بها ولا تجرؤ هذه الدول على إصدار بيان وهي دول عظمى . نحن على الأقل الشعب الفلسطيني نقول لهم لا وألف لا ونحن صامدون وباقون على أرضنا وسنستعيد حقوقنا آجلا ام عاجلا . وأهم تحدي أمامنا هو أن نتخلص من حالة الانقسامات الداخلية ونوحّد صفوفنا وأهدافنا ونطور عقولنا ووعينا . نحن بأفكار وطنية واضحة دفاعا عن مصير شعبنا ومستقبله وهويتنا قد نهزم جيوش شرّ المجتمع كله بفكرة .

• وكيف تفسرون إعلان دعم بعض الدول والأصوات العربية دعمها وتأييدها لصفقة القرن رغم الرفض الفلسطيني لها ؟
للأسف هناك بعض الأصوات العربية تعتقد أن حمايتها تكون من خلال رفع إشارة الطاعة لترامب ولكل من يريد توظيفهم في إطار هذه الإستراتيجية الكونية. هم يعتقدون انهم بذلك سيحمون أنفسهم بينما هم لا يعرفون ان الآخر يحتقرهم فيستخدمهم لفترة ثم سيتنازل عنهم مثلما فعل الأمريكيون مع شاه إيران فرفضوا حتى استقباله . هم يحاولون تشتيتنا من داخلنا ونحن شعوب يجب ان تكون موحدة ومن يبيع ابنه او جاره او صديقه فكأنه باع ذاته وهو الخاسر .

• إلى اين يسير الوضع في فلسطين والمنطقة؟
الشعب الفلسطيني واجه كل محاولات إقصائه وإزالته من الوجود الجغرافي والديمغرافي . نحن فرضنا وجودنا بسبب حقنا والتزامنا بوطننا وقضيتنا على الجغرافيا والتاريخ ودوننا لن تستوي الأمور للبشرية جمعاء . وأنا لا أزال أتذكر كلمة الزعيم نيلسون مانديلا في لقائه بالشهيد بياسر عرفات في هولندا وكنت حاضرا معهم حينما قال للزعيم عرفات « لن نقضي على العنصرية والابارتايد في العالم طالما أن الشعب الفلسطيني لا يستعيد حقه وانتم عنوان القضاء على العنصرية والإخلالات في المجموعة البشرية كلها وإذا لم تستعيدوا حقوقكم وتقيموا دولتكم فالعالم كله يسير في مسار خاطئ». وكان على حق بذلك . بصراحة اعتقدت آنذاك أنّ كلامه يدخل في إطار التعاطف مع قضيتنا ولكن لاحقا فهمت ما يعنيه .

• ما هو الحراك القادم لمواجهة صفقة القرن؟
نحن نراهن على الطاقة الهائلة الكامنة وعلى الوعي والفكر الفلسطيني . نحن انتقلنا من مرحلة رداّت الفعل المسيرة من الخارج إلى استراتيجيات الفعل المبنية على الفكر . وأصبح لدينا وعي بالمسارات ليس فقط على مستويات محددة وإنما الوعي كامل في المجتمع الفلسطيني ، وهو على مدار التاريخ طوّر في أشكال نضاله رغم انه إقليميا ودوليا كانت هناك محاولات لعزله عن الواقع وتغلّب عليها . لم يتركوا اي نوع من الفيروسات الا وأدخلوها الى الجسم الفلسطيني للتخلص منه ، وبمقاومتنا الذاتية كنا قادرين على التخلص منها دون أي علاج خارجي . صحيح ان الجسم الفلسطيني ضعف قليلا ولكنه اصبح محصّنا أمام أخطر الفيروسات السياسية والمخابراتية والأمنية والمجتمعية والعلمية فنحن في حالة استعادة صحتنا بالكامل والإستراتيجية الكونية التي تمّ ترتبيها من قبل القوى الكبرى لخلق دولة وظيفية لهم على الأرض للاستمرار في الاستعمار بأشكال مختلفة المباشرة وغير المباشرة بدأت تهتز من داخلها وبدأوا يكشفون أوراقهم وبدأوا يكشفون عن أدواتهم وعلمائهم بصراحة . هذه الأدوات كانت موجودة ولكنها مخفية ومجرد إبرازها يعد مؤشرا على ضعفهم وبداية انهيار إستراتيجيتهم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115