وذلك في الذكرى الثانية عشرة لرحيله في ندوة حملت عنوان « المشروع القومي العربي الراهن التحديات والاستراتيجيات» بتنظيم من المؤتمر الدولي للتضامن النضالي التشاركي مع الشعب الفلسطيني وذلك بمقر المنتدى الاقتصادي الاجتماعي التونسي. وجمعت عددا من النخب والنشطاء من تونس وعدد من الدول العربية من فلسطين ولبنان وليبيا وسوريا .
ويعد جورج حبش أحد أبرز الشخصيات الوطنية الفلسطينية ولد في عام 1926 ورحل في 26 جانفي 2008 ، هو ابن مدينة اللد، ويعتبر مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يلقبه أنصاره بالحكيم وشغل منصب الأمين العام للجبهة الشعبية حتى عام 2000. وهو المؤسس لحركة القوميين العرب.
اليوم بعد مرور 12 عاما على رحيله وفي خضم كل الأزمات والحروب والصراعات والانقسامات التي يعيشها العالم العربي ..ماذا بقي من فكر جورح حبش وكيف يمكن استلهام فكره لمواصلة النضال ضد المحتل؟ .
صفقة القرن وإعادة ترتيب الجغرافيا
يؤكد د. فوزي العلوي رئيس اللجنة الوطنية للمؤتمر الدولي ورئيس مركز مسارات للدراسات الفلسفية والإنسانية، على المعاني والدلالات التي يحملها اسم الحكيم جورج حبش واهمية استعادته في اللحظة التاريخية الراهنة، التي تحفل بتحديات تاريخية، خاصة وان الحكيم جورج وطوال مسيرته النضالية كان رجل التحديات الفكرية والنضالية بامتياز.
اما عابد الزريعي المنسق العام للمؤتمر الدولي للتضامن النضالي مع الشعب الفلسطيني فأكد ان صفقة القرن كرؤية استراتيجية امريكية لإعادة ترتيب الجغرافيا السياسية للمنطقة، تستهدف المنطقة العربية برمتها، وما تصفية القضية الفلسطينية الا مدخل لتنفيذ تلك الرؤية الاستراتيجية. بما يترتب عليها من تداعيات على الجوار الاقليمي خاصة إيران وافريقيا. وتابع بالقول :«نتناول هذه الفكرة ضمن العناوين الاربعة الاتية:
أولا: تمرير الصفقة على المستوى العربي: وذلك من خلال اليتين محددتين هما:
1 - ازاحة عقبات الاعاقة، المتمثلة في القوى المناهضة لصفقة القرن على المستوى العربي والاقليمي.. باعتماد الولايات المتحدة الامريكية على الحصار والضغط السياسي وفرض العقوبات الاقتصادية، والتجريم القانوني لقوى محور المقاومة، واتهامها بممارسة القمع والارهاب. واللجوء الى العمل العسكري المباشر من خلال دعم المجموعات الارهابية والتدخل في الاوضاع الداخلية، وشن الحرب المباشرة على غزة واغتيال للقادة والرموز. وفرض بناء القواعد العسكرية في سوريا والعراق وانشاء الاحلاف التي تضم اسرائيل تحت حجة حماية الملاحة البحرية في الخليج ومضيق هرمز. وذلك بهدف ارباك قوى محور المقاومة وكسر قدراتها ومنعها من التصدي الفاعل للصفقة.
2 - السيطرة على الأدوات: المتمثلة في الاطراف العربية المنخرطة او المدرجة على قائمة الانخراط في صفقة القرن. باللجوء للسياسة الناعمة والخشنة التي تبدت في تكثيف حركة المبعوثين الامريكيين العلنية والسرية تجاه هذه الدول. والتهديد بتحريك الوضع الداخلي والتلويح بالحرب وبالتقسيم الطائفي في مصر. واستخدام الملفات التاريخية والرمزية كأدوات ضغط، مثل ملف صنافير وتيران. واتفاقية اتفاقية ترسيم الحدود بين فلسطين ومصر1906. وملف الاشراف على الاماكن المقدسة في القدس، كوسيلة ضغط على الاردن واغراء للسعودية، وتحريك لتركيا. وكذلك الملف الاقتصادي، والايهام بان الانخراط في صفقة القرن يشكل مدخلا للخروج من الأزمات الاقتصادية المتفاقمة في مصر ولبنان والاردن الاقتصادية.
تصفية النظام الإقليمي
اما عن الصفقة كمشروع تفكيك النظام الاقليمي العربي. فأكد الزريعي ان ذلك يتجلى في ثلاثة مستويات هي:
المستوى الأول: تصفية القضية الفلسطينية. باعتماد الحل الاقليمي متعدد الأطراف. ويتعلق الامر بكل من الاردن ومصر ولبنان والسعودية والامارات. المنوط بها الانخراط في الصفقة عبر مجموعة أدوار محددة في التمويل والتوطين وتبادل الاراضي والضغط على الطرف الفلسطيني من اجل تليين موقفه.
المستوى الثاني: دمج إسرائيل في النظام الإقليمي العربي. الامر الذي يتحقق من خلال تحول التراكم الكمي لعمليات التطبيع القائمة الى مستوى نوعي وكيفية جديدة تتبدى في قبول إسرائيل كجزء رئيس من المجموعة الاقليمية. بحيث لا يعود حضورها اليومي في عواصم تلك الدول مدار استهجان او استغراب او رفض.
المستوى الثالث: تفكيك وإعادة تركيب النظام الإقليمي العربي. فاذا كان ادماج اسرائيل يؤسس الى تفكيك النظام العربي الإقليمي، فان عملية التفكيك تؤسس بدورها الى تركيب جديد، يتم بموجبه بناء منظومة اقليمية جديدة مختلفة تماما عن تلك التي تأسست منذ قيام جامعة الدول العربية. بحيث تشكل هذه المنظومة بيئة مناسبة لتحويل إسرائيل الى قوة رئيسة مهيمنة في المنظومة الجديدة.
ثالثا: الصفقة كأداة تصادم وتمدد في أطراف الاقليم العربي: الامر الذي يرتبط بآليات حماية اسرائيل والحفاظ على هيمنتها على المنظومة الإقليمية الجديدة، وذلك بجر المنطقة للتصادم مع إيران واعادة انتاج إستراتيجية شد الأطراف التي اعتمدتها اسرائيل في الخمسينات من القرن الماضي ولكن بشكل عكسي، وبما يستدعيه ذلك من استبدال فكري لمفهوم الصراع وتحويله من العداء للاحتلال إلى عداء طائفي بين المذاهب.
المشروع القومي العربي التحديات والاستراتيجيات
محسن النابتي الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي اكد في مداخلته ان المغرب العربي يواجه تحديات استراتيجية داخلية وخارجية على غاية من الخطورة حيث يواجه تحديات سياسية داخل كل قطر اخطرها ما تواجهه ليبيا من حرب اهلية بعد اسقاط الدولة في 2011 عن طريق التدخل الاطلسي، وانتقال ديمقراطي متعثر في تونس ومحاولة جزائرية لتجاوز مخلفات المرحلة الاخيرة من حكم بوتفليقة تحتاج وقتا كذلك المغرب وموريتانيا الاوضاع متحركة فيهما كما يعاني المغرب العربي مشاكل بين دوله اهمها قضية الصحراء الغربية والتعاطي مع الأزمة الليبية.
ويتابع :«اقتصاديا المغرب العربي له اقتصاديات متشابهة يسيطر عليها راس مال طفيلي وكيل حيث فشلت التجارب التنموية التي ارسيت بعد الاستقلال وما رافق ذلك من تفاقم الفقر والتهميش وغياب الدولة وانهيار القطاعات الاستراتيجية يكفي ان نقيم مقارنة بين كوريا الجنوبية والمغرب العربي كاملا في مستوى الناتج المحلي حيث يفوق الناتج الكوري المحلي كل دول المغرب العربي بحوالي اربعة اضعاف.
وهذا افرز مشاكل اجتماعية اخطرها بروز «الهويات القاتلة» مذهبية وعرقية بديلا عن الدولة الوطنية الموحدة.
اما التحديات الخارجية التي يواجهها المغرب العربي فهي متمثلة في تحديات تقليدية مثل التحدي الاوروبي الامريكي او مشاريع الهيمنة التقليدية الهادفة للسيطرة على الطاقة مصادر وطرقات وكذلك الخيار الرأسمالي اقتصادا وسلوكا وثقافة وما يترتب عليه من فرض نظم حكم موالية او تابعة
ولكن هناك تحديات جديدة اولها الصراع الاوروبي الامريكي على المنطقة صراع مشروع الشرق الأوسط الجديد الامريكي الصهيوني ومشروع الشراكة الاوروبية المتوسطية وكذلك التحدي الارهابي حيث تحتضن ليبيا والصحراء الكبرى اكبر الجماعات الارهابية وأخطرها اضافة الى التحدي الليبي وما ترتب عليه من تدخلات خارجية ابرزها دخول تركيا عسكريا للمنطقة. وأكد النابتي ان المغرب العربي هو حقل الفرص المهدورة بالنسبة للمشروع الوحدوي سواء على المستوى الاقتصادي او السياسي او الأمني.
ليبيا واستحقاقات الواقع السياسي
اما محمد عمر بن اجديرية/الناشط والسياسي الليبي، فأشار في مداخلته الى انه لمدة أربعة عقود من الزمن كانت ليبيا الوجهة الفضلى للقوميين العرب، على جميع مستوياتهم، بدءا من القواعد الشعبية إلى رموز وقادة التنظيمات القومية التي تعددت أسماؤها بتعدد الدول العربية واختلاف المشارب، إلى اللاجئين السياسيين الذين احتفت بهم ليبيا وآوتهم برحابة صدر دون النظر إلى تبعات ما قد يترتب على ذلك. كما ظلت ليبيا وحتى اتفاقية اوسلو العام 1993، الداعم العربي الرئيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت قضية العرب المركزية حاضرة وبقوة طيلة اربعة عقود في الوجدان الليبي وعلى مستويات السياسات العامة.
وتناول الباحث محمد عمر تجربة العمل القومي في ليبيا منذ تأسيسه وحتى سقوط النظام وتشظي الدولة الليبية. واشار الى انه منذ اندلاع الأزمة الليبية، أواخر العام 2011، طفت على السطح النزعة القطرية، الداعية إلى انكفاء ليبيا على نفسها، والاكتفاء بمحيطها المغاربي والمتوسطي. وأدى انهيار الدولة في ليبيا إلى تشتت النسيج الاجتماعي كهوية جامعة وظهور هويات فرعية اتخذ بعضها لبوس سياسيا وجهويا، كدعاة الفيدرالية وتقسيم ليبيا إلى ثلاثة كيانات. واتخذ بعضها نزعة عرقية كالأمازيغية ودعاة القومية التيباوية أو التارقية. اضافة الى اتخاذ بعضها الطابع الديني) المدخلية والعلمية والجهادية. كما تطرق الى اللحظة الراهنة التي تتسم بالحرب الاهلية وتحول ليبيا الى بؤرة فساد في ظل غياب الدولة، وموطن للإرهاب وممر للهجرة السرية الى اوروبا وساحة للتدخلات الخارجية.