منبر: التقاطع بين الشأن الليبي والاستقطاب الجاري بشرق المتوسط وحلف الناتو

محمد محمود عبد الوهاب
( باحث في الشؤون الدولية)
تشهد منطقة شرق المتوسط تفاعلات عديدة علي مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية ، وبدأ العام الجديد

بتحركات تدشن لمرحلة جديدة في مستقبل التفاعلات بين دول المتوسط لاسيما بعد توقيع كل من اليونان وقبرص ومعهما إسرائيل علي اتفاق مشروع أنبوب شرق المتوسط «ايست ميد» في اثينا في الثاني من جانفي 2020 ، وفِي مشهد مواز وفي اليوم ذاته انتهت الجلسة الطارئة للبرلمان التركي بالتصويت -بالموافقة- على إرسال قوات الى ليبيا بغرض دعم حكومة الوفاق .

وتطرح تلك التحركات الجارية في الفضاء المتوسطي تساؤلات عديدة حول ارتباطها بالتفاعلات الجارية مؤخراً داخل حلف الناتو ومواقف الدول الكبرى في الحلف من حالة السيولة وعودة الاستقطاب الحاد علي الساحة الدولية في ظل أجواء تنافس / تناحر شهدتها -أعمال القمة الأخيرة للحلف في لندن - بين ترامب وماكرون من جهة ، وبين ماكرون وأردوغان من جهة أخرى بالتوازي مع إجراء الصين وروسيا لمناورات وتدريبات مشتركة في المتوسط .

ويمكن القول أن عدم اتخاذ الناتو لموقف محدد بشأن الاتفاق الذي تم بين أنقرة وحكومة الوفاق لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا علي الرغم من إثارته لحفيظة دولة عضو بالحلف ( اليونان ) يعكس وقوع الحلف مؤخراً فريسة للأيديولوجية الرئيسية التي تبناها الحلف -منذ تأسيسه في منتصف القرن المنصرم- ألا وهي الأولوية المتقدمة لمجابهة أي نفوذ روسي محتمل علي الساحة الدولية. ومن ثم ، استغل اردوغان تلك الورقة للإيحاء بأنه يتدخل في ليبيا -عسكريا -من اجل الحد انتشار النفوذ الروسي المتزايد علي الساحة الليبية وهو ما سمح له بالحصول -ضمنياً - علي ضوء اخضر من الناتو وواشنطن التي لم تقدم على إبداء تعليق على التدخل التركي في الشأن الليبي خلافاً لموقفها من انتقاد التدخلات الروسية علناً . آخذاً في الاعتبار احتمالات توصل تركيا وروسيا في مرحلة لاحقة لتفاهمات تجنبهما الصدام على الأرض على غرار التفاهمات والسيناريوهات الجارية في الأراضي السورية.

كما اسفر تغافل الحلف عّن الأطماع التوسعية لأنقرة الى التعجيل بالحصول علي تصديق البرلمان على إرسال قوات تركية الى ليبيا مع استغلال مستجدات الشأن الليبي لإنشاء قاعدتين جوية وبحرية تركيبتي في شمال قبرص وارساء وضعية جديدة على الارض تخدم أهداف تركيا التوسعية في منطقتي المتوسط والشرق الأوسط والتي لا تعد وليدة اللحظة، وكانت التفاعلات الجارية علي الساحة الدولية قد أتاحت مناخاً مواتياً لإقدام أنقرة علي عملية عسكرية في شمال شرق سوريا واحتلال مساحة واسعة -بطول 120كيلو متراً وعمق حوالي 30 كيلومتراً - بل التمادي استغلالاً لغض الطرف من جانب واشنطن وحلف الناتو بالتدخل في ليبيا وتحقيق مطامعها في الثروات النفطية وحقول الغاز التي يكتنزها البحر المتوسط وتحقيق اختراق في الملف الليبي الذي عاني خلال السنوات الماضية من تكالب القوى الدولية وإطالة أمد النزاع بين الفرقاء الليبيين من أجل انتظار اللحظة التي تسمح للقوى -الأكثر نفوذاً وتنسيقاً فيما بينها -لاقتسام المغانم فيما بينها ، في ظل غياب دور وتنسيق مؤثر لدول جوار ليبيا (شمال وجنوب المتوسط ) .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115