عن مصداقية هذه الاِنتخابات، وعمّا إذا كانت المؤسسة العسكرية هي مَن نصّبته رئيساً، ويتولى الرئيس الجديد تبون، منصبه في ظل سقف توقعات عالية من الشعب االجزائري لما ينتظره من تحديات معقدة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، فالمسؤولية المُلقاة على كتِفه ستكون عظيمة وجسيمة، وهو ما يطرح تساؤلات كثيرة حول ما يمكن أن يحققه تبون مما وعد به خلال حملته الانتخابية.
في هذا السياق إن أحد أهم واجبات الرئيس الجديد للبلاد، هي الحفاظ على الدولة الجزائرية والتأكيد على حياد كافة مرافقها، دون التأثر بأي حسابات سياسية، والعمل على مراجعة الدستور لتكريس الديمقراطية الحقيقية، والفصل الحقيقي بين السلطات لتجنيب الجزائر أي انحراف استبدادي، بالإضافة إلى إجراء تعديلات على القانون الانتخابي للسماح ببروز جيل جديد من المنتخبين الأكفاء و«الصادقين»، فضلا عن فصل السياسة عن المال، ولا بد من إصلاح شامل للقضاء لضمان استقلاليته وتحديثه من خلال الرقمنة (العدالة الإلكترونية) وتكريس مبدأ المساواة أمام القانون وتحقيق حرية الصحافة وتعدديتها واستقلالها.
أما في المجال الاقتصادي، يجب على الرئيس الجديد تنفيذ سياسة جديدة من خلال تقديم حوافز ضريبية وتقييد الواردات ووضع سياسة تصنيع جديدة موجهة نحو الصناعات الصغيرة ومتوسطة الحجم، إضافة إلى تعزيز الاستثمار والإنتاج الوطنيين، وكذلك تحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر.
أما في مجال السياسة الخارجية، يجب إتباع «دبلوماسية اقتصادية» لخدمة التنمية الوطنية، و إعطاء أهمية للدبلوماسية الثقافية والدينية لتلميع صورة الجزائر في الخارج، وفي المجال الاجتماعي لا بد من إعفاء ذوي الدخل المنخفض من دفع الضرائب.
اليوم الناخبون الجزائريون انتخبوا عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشّعبية، ولتحمل مسؤولية قيادة البلاد ،وهو يدرك من دون شك جسامة هذه المسؤولية، ويعي جيدا بأنه لا بد من النهوض بالجزائر والالتزام بتحقيق مطالب شعبها، لذلك فأن المشهد االجزائري على أبواب تطورات مفاجئة أولى البشائر هي الإعلان عن دعوة الرئيس تبون، الحراك الشعبي الى حوار جاد من أجل البلاد، في أول تصريح بعد انتخابه في اقتراع شهد مقاطعة قياسية ورفضته الحركة الاحتجاجية، وقال في مؤتمر صحفي «أتوجه مباشرة للحراك المبارك وأمد له يدي لحوار جاد من أجل جمهورية جديدة».
إجمالاً... فأننا على ثقة تامة بأن الشعب الجزائري قادر على تجاوز وتخطي أزمته ومحنته الراهنة بفضل تماسكه ووحدته الوطنية، لأنه يدرك جيداً دوره في المنطقة العربية من خلال عودته لتبوإ موقعه ومكانته العروبية والقومية في مواجهة كل المشاريع الامبريالية في المنطقة العربية الرامية إلى تجزئة وتقسيم الأقطار العربية وتفتيت وحدة الإنسان العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج.
وأختم بالقول، إن الجزائر كما يخبرنا التاريخ والواقع عندما تتعافى... تتعافى معها الأمة بأكملها بفضل يقظة أبنائها المخلصين الذين يعرفون أن غرق الجزائر هو غرق البلاد بأكملها، لذلك يجب عليهم أن يراهنوا على استمرار حضورها الداعم للأمن والاستقرار الإقليمي في ظل الأوضاع الدولية المعقدة في هذه المنطقة. كثيرون راهنوا على أن يسير مستقبل البلاد في غير ما آلت إليه الأمور، ولكنهم فشلوا في النهاية.