منبر: الاقتصاد ورقة التحالف الرابحة… سوريا وإيران مثالاً

على الرغم من أن الاعتبارات السياسية هي المحرك الرئيسي لسياسة إيران تجاه سورية، إلاّ أن المصالح الاقتصادية باتت تلعب دورا أكبر

من أي وقت مضى، فبعد أن دمرت الحرب قسماً كبيراً من البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية السورية، قامت إيران، على خلاف بقية دول المنطقة، بإبرام الكثير من اتفاقيات التعاون والعقود الاقتصادية مع الحكومة السورية من اجل إعادة تشييد تلك القطاعات.

كنت دائماً أقول بتمتين العلاقات السورية الإيرانية وربما يعود ذلك الى السياسة التي تنتهجها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، حيث إنهما تعتبران سوريا و إيران العائق والسد المنيع ضد تحقيق خارطة الشرق الأوسط الجديد، وبذلك فان الكثير من الأحداث و الوقائع برهنت على ان هذه العلاقة -إلى حد ما - أكثر ثباتاً واستمراراً من أي علاقة أخرى بين دول المنطقة. اليوم توجد بين سوريا وايران علاقة قوية جعلتها تختلف عن غيرها من علاقات ايران بالدول العربية الأخرى، حيث سيتم ربط ميناء الإمام الخميني الإيراني بميناء اللاذقية السوري بسكة حديد عبر العراق، هذا الربط بين سورية وإيران والعراق سيسهم في تعزيز العلاقات التجارية بين الدول الثلاث، وتطوير الشحن عبر السكك الحديد وزيادة الترانزيت وتنمية الاستيراد والتصدير. بالتالي توفر هذه السكة فرصة لنقل النفط الإيراني براً، وهو أمر مهم لكل من طهران ودمشق المحرومة من الوصول إلى حقولها النفطية في شمال شرق البلاد، ومن المعروف أن النقل البحري للخام الإيراني صعب بسبب الضغوط الغربية، بمعنى إن مشروع إنشاء سكة حديد تربط بين ميناء الإمام الخميني واللاذقية ضروري للقيادة الإيرانية من أجل مواجهة العقوبات الأمريكية العابرة للحدود الإقليمية. كما تبقى عين إيران على مرحلة ما بعد الحرب، وتحديداً على عملية إعادة الإعمار، حيث توجد حالياً ملايين المنازل والمنشآت والبنى التحتية المدمرة في سوريا، وسوف تكون إيران مستعدة بدورها، للعب دور كبير في عملية إعادة الاعمار، وهي التي تصنف كأكبر منتج للأسمنت والحديد في منطقة الشرق الأوسط.

في هذا السياق تعد العلاقات السورية- الإيرانية ذات طبيعة خاصة، نظرا لأهمية المصالح الاقتصادية التي تعد إحدى مرتكزات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه سورية قياساً بالمسائل الأخرى نظراً لحاجتها إلى شركاء اقتصاديين وأسواق تجارية وفرص استثمارية، كما كان للحضور الإيراني في ملف الأزمة السورية الأثر الكبير في إحداث التحولات الكبرى في مسارات الأزمة وفي دعم الدولة السورية في الحرب على الإرهاب، لذا اتصفت العلاقات السورية – الإيرانية من الناحية السياسية بالثبات والاستقرار النسبي وبقيت هذه العلاقات قوية ومتينة على الرغم من المؤثرات الدولية الكثيرة التي عصفت بالنظام الدولي، والتي انعكست إيجابا على العلاقة الاقتصادية بين البلدين مجملاً....كما شكلت الأزمة السورية نقطة تحول في العلاقات التجارية والاقتصادية بين سورية وإيران، فمنذ الأيام الأولى لبدء الأزمة أعلنت إيران وقوفها إلى جانب سورية قيادة وشعبا، فإيران لم ينكفئ دورها ولم يقل دعمها لسورية بالمطلق، بل زاد على ما كان عليه الحال سابقاً، والمتابع لتحركات وزير الخارجية الإيراني في المنطقة، وسفره إلى عدة إقليمية وغربية وتصريحاته الأخيرة يدرك تماماً أن التنسيق قائم على قدم وساق بين دمشق وطهران، وأن الهدف هو إفشال المشروع الأمريكي في المنطقة بعد أن تراجعت قدرة البيت الأبيض عن فرض إرادته بالقوة على دول وشعوب الشرق الأوسط.

وأختم بالقول: إن العلاقات السورية – الإيرانية وفق هذا المنظور وعلى أساس هذه المنهجية أسست لعلاقات مصيرية صادقة في التعامل والتي أثمرت نتائج واضحة المعالم في مواقفها مما يعطي صورة رائعة عن مستوى العلاقة الذي يجعل الكثير من الدول تنظر إلى العلاقة السورية -الإيرانية على أنها أنجزت على مبادئ وأسس سليمة ومتوازنة، كما تشكل هذه العلاقة واحدة من أقوى علاقات الدعم والإسناد في تاريخ الشرق الأوسط.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115