تركيا تفتح على نفسها باب جهنم في شرق الفرات

بعد انتهاء المهلة التي حددتها أنقرة لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، شنت تركيا بمفردها عدوانا عسكريا في شرق الفرات

بعد بطء التقدم في المشاورات التركية الجارية مع أمريكا وعدم التوافق معها بشأن المنطقة الآمنة، وفشل اردوغان في حواره مع روسيا وإيران حول إدلب وشرق الفرات.

عندما أدركت تركيا فشل المواجهة مع القوى الإقليمية والدولية، خاصة بعد المواجهة مع روسيا إثر اسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر 2015، وبعد تعثر إستراتيجيتها في العراق ورهانها على قوى متطرفة لم تنجح في تغيير المعطيات في الميدان السوري، وفشل أنقرة في فرض منطقة آمنة في شمال سوريا بسبب معارضة روسيا وحلفائها لها، بدأت برسم خطوط جديدة لتغيير قواعد اللعبة هناك، عن طريق شن عدوانها العسكري في شرق الفرات في خطوة تشكل خطرا على القوات الأمريكية المتبقية في سوريا، عن طريق امكانية اندلاع نزاع مسلح جديد بين القوات التركية والمقاتلين الأكراد مما سيرفع من احتمال الخروج الأمريكي من سوريا.

في هذا السياق فالهجوم الغادر الذي تشنه تركيا في شرق الفرات قد يتحول إلى نزاع طويل المدى قد يزيد من التوتر مع واشنطن، في حال واصلت أنقرة عملياتها ضد المقاتلين الأكراد المدعومين أمريكيا، كما ستتحول سوريا إلى امتداد جغرافي للقتال الطويل بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني المحظور هناك، وبالتالي فإذا تواصلت هذه المواجهات فستكون لها إنعكاسات سلبية وخطيرة على الصراع الجاري ضد حزب العمال الكردستاني في تركيا، وبذلك يمكنني القول إن المغامرة التركية في سورية في بداية فخ المستنقع السوري، وستجعلها تائهة مثل تنظيم داعش والمجموعات المتطرفة الأخرى.

وهذه التطورات تترافق مع مؤشرات قرب الانتهاء من ملف إدلب، وارتفاع سخونة التوتر تدريجيا في مناطق شمال وشمال شرق دير الزور.

كما يجسد التدخل التركي في سوريا طموح أنقرة في سوريا، لكن هذا الطموح محفوف ومليء بالمخاطر الإقليمية لأن إيران غير موافقة على التدخل التركي المباشر في سورية ويجب أن تضع في حساباتها أنها تخوض حرباً مع جبهة المقاومة كما ضد إسرائيل الآن، وهذا ما يؤشر إلى أن المعارك في سوريا ستتصاعد وستأخذ أشكالاً كبيرة من العنف، كما سيتوسع التوتر ليشمل العلاقات الروسية التركية بعد فشل كل الاتصالات الروسية مع تركيا بشأن سوريا.

لنكن أكثر صراحة ووضوحاً إن تركيا تلعب بالنار، وقد تحرق أصابع أخرى، وأمريكا -كعادتها دائماً- تهرب من المنطقة إذا وجدت إن الخسارة كبيرة، هكذا فعلت في الصومال وفي العراق، وهكذا تفعل في سوريا، والمأمول آن تدرك القيادة التركية حجم المغامرة التي يدفعها الأمريكي وحليفه العربي اليائس نحوها، وعليها أن تبادر إلى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط قدر الإمكان في المستنقع السوري، لذلك لا بد لتركيا عدم اللعب بكرة النار التي قد تحرق أصابعها قبل غيرها.

وباختصار شديد، ان تركيا مقبلة على سيناريوهات مرعبة ومخيفة وذلك لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في المنطقة، ومن هذا المنطلق يجب على تركيا أن تتأهب لمرحلة جديدة، إذ هي تتجه بسرعة كبيرة إلى فخ المستنقع السوري إذا استمرات حكومة اردوغان في الدور السلبي في سوريا، وفي تقديري أن هذا العام سيشهد تدويراً للكثير من الزوايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115