ترامب بالغاء الاتفاق النووي الايراني ، معتبرا ان الصراع التقليدي بين العرب و”اسرائيل” تراجع أكثر فأكثر لصالح هذا الصراع . وتطرق في هذا الحديث الى مستجدات الوضع في العراق والمنطقة .
• اولا كيف هو الوضع في العراق، خاصة فيما يتعلق بالمشهدين السياسي والأمني؟
اذا تجاهلنا ثرثرة وصخب الاعلام الحزبي (تلفزيونات وصحافة وجيوش الكترونية) فانه يمكن القول: «كل شيء هادئ في العراق»، فالمتابع للندوات والحوارات التلفزيونية اليومية سيرى ان كل مايقال فيها هو كلام غير منتج وهو اقرب لاستعراض البلاغة وقدرات الجدل وتسجيل انتصارات لفظية على الاخر. لكن من جهة اخرى لا مفر من الاقرار ان ثمة الكثير من الجمر المتّقد تحت رماد كثيف ومن تلك الجمرات:
- قضية كركوك والمادة 140 من الدستور المتعلقة بها وعدم جاهزية اي طرف لحلها خارج الأمر الواقع (الأمر الواقع هنا هو طرد المسلحين الأكراد منها في حكومة الدكتور حيدر العبادي).. لا يوجد حل قريب لهذه القضية المعقدة باستثناء صراعات على السلطة الادارية في المدينة بين العرب والأكراد والتركمان، وهي صراعات ستبقى تحت السيطرة.
- قضية الحشد الشعبي، وهي كانت تبدو وكأنها بركان يهدد بالانفجار حال الاقتراب منه، لكن المعالجة الحكومية الهادئة والقانونية قللت من حرارتها، وكل شيء يسير في اتجاه ضم وتذويب الحشد في القوات المسلحة العراقية بعد اغلاق مقراته في العراق.
لا تفجّر في هذه القضية.. ربما لانها مرتبطة بوضع دولي واقليمي اكثر تاثيرا (تحديدا صراع ايران واميركا) وهو مرتبط بتطورات الوضع في الخليج وفي مضيق هرمز.
- ان من اوصل الدكتور عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء هو عجز الاطراف عن حسم الامر لصالح مرشحيهم لتولي رئاسة الوزراء. ويبدو ان الدكتور سيبقى فترة اطول في مركزه بحكم عجز البدريين والصدريين وغيرهما عن حسم الصراع (وهما الطرفان الاساسيان) وقد راينا كيف ان انتقال السيد عمار الحكيم الى المعارضة لم يخلخل هذا الوضع كثيرا او قليلا.
• وكيف تجدون الدور الايراني في الساحة العراقية؟
ينبغي الاعتراف ان ايران، بامتداداتها السياسية والعسكرية في العراق تعتبر جزءا مهما من الوضع العراقي، فالاحزاب والفصائل المسلحة المرتبطة بايران تلعب دورا رئيسيا في الوضع وفي السياسة العراقية. ولا اظن ان وجود وضع كهذا يتطلب من ايران التدخل الفظ والمباشر في العراق. ومعروف ان ايران، كأمريكا، حاضرة في تشكيل كل حكومة عراقية، وهي ليست مضطرة، بحكم نفوذها، ان تصل لحدود المواجهة مع الحكومة العراقية، لذلك سكتت عن خطوات دمج الحشد الشعبي مع القوات المسلحة ولم تضغط على الحكومة العراقية بقوة في اعلان موقف عملي ضد العقوبات الامريكية عليها، وكذا الامر مع الشخصيات العراقية التي تم شملها بالعقوبات الامريكية مؤخرا.
وعموما فان ايران ستبقى جزءا من الصراع الطائفي في المنطقة وفي العراق (رفض جمهور الاحزاب السنية للتاثير الايراني في الوضع الداخلي العراقي).
• تأثير الصراع الايراني الامريكي على المنطقة ومضيق هرمز وهل تتوقعون تصعيدا جدبدا؟
منذ مجيء ترامب للحكم والغائه الاتفاق النووي مع ايران والمنطقة تعيش تحت تأثير هذا الصراع، وهو صراع غيّر شكل المنطقة وتحالفاتها وأعاد جدولة أولوياتها فالصراع التقليدي بين العرب واسرائيل تراجع أكثر فأكثر لصالح الصراع الأمريكي الإيراني، و»الربيع العربي» تراجع او تحول الى كارثة في غالبية البلدان التي مرّ بها، ودول الخليج تصدعت علاقاتها ببعضها (السعودية وقطر على سبيل المثال) والحرب في اليمن تحولت الى حرب تدمير واستنزاف لا يسهل الخروج منها، وتقدمت دول خليجية عديدة الى التقارب مع «اسرائيل» لمواجهة «العدو» المشترك: ايران، فيما امريكا تحصد الارباح.
ورغم استحالة وقوع حرب امريكية ايرانية واسعة، اذ انها لو وقعت فستكون بين حقول النفط في السعودية وبلدان الخليج، واحراق البترول بصواريخ الحرب لا فائدة فيه لأحد. لكن صراع الارادات يدفع لاغراق المنطقة بمواقف امريكية او ايرانية متشنجة.
لا توجد مكاسب للحرب أكثر من خسائرها، ولذلك اعتقد انها لن تقع باستثناء مناوشات وتصعيد هنا او هناك (في غالب الاحيان لتحسين الموقف التفاوضي) لكنه تحت السيطرة عموما.
«اسرائيل» التي تأخذ على محمل الجد الوضع النووي الايراني قد تكون أكثر المتحمسين لحرب تقوم ضد ايران. لكن من يقوم لها بهذه الحرب؟ لا احد!
• هل تتوقعون تصعيدا جديدا في المنطقة .. والى اين يسير العالم العربي؟
لابد من الاعتراف، وبعيدا عن نظرية المؤامرة، ان «اسرائيل» هي القادرة على خلق اوضاع متفجرة للتخلص من ارقها الدائم:
«حزب الله» في لبنان و«حماس» في غزة و»النووي الايراني» الذي تراه قريبا من قدرته على تهديدها.
الاطراف الاخرى تستطيع ان تأكل نفسها وتستهلك مواردها وليس ابعد من هذا. وعلى سبيل المثال فان حرب الخليج في اليمن تبقى مركونة في زاوية مهملة من العالم، وهي حرب غير منتجة ولا انتصارات حاسمة فيها قبل الجلوس الى طاولة المفاوضات.
من جهة اخرى يبدو الجناح الافريقي العربي في حالة مخاض عسير ولا نهاية سريعة وسعيدة او حاسمة لصراعاته الداخلية..
وينبغي ان نلاحظ هنا ان الجزائر والسودان وليبيا هي بلدان تكاد ان تكون بلا رئيس، ووصول اية قوى الى الرئاسة سيحدد شكل الصراعات القادمة وطريقة ادارتها: باتجاه التدمير الذاتي ام باتجاه البناء.
من الناحية الواقعية، فان تاريخ هذه المنطقة يقول ان هذه البلدان عاشت طويلا في ظل انظمة عسكرية او شبه عسكرية وفي ظل حكم الحزب الواحد. وهذا النوع من الحكم لن يمر دون ان يترك آثاره المؤذية والخطيرة على مستقبلها القريب. لكننا دائما نامل ان تصدق امنياتنا في ان تنتهي الامور على خير وباقل الخسائر. ولطالما نظرنا الى الافاق بعين الامل وليس بعين الواقع!