عن عدم الالتزام ببعض بنود الاتفاق ردا على العقوبات و عدم وفاء الأوروبيين بوعودهم و التزاماتهم. و أعلن طهران أنها رفعت من تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 5،4 % (عوض 67، 3 %) ورفع نسبة اليورانيوم المخصب على أكثر من 300 كغ المرخص فيها. و دخلت العواصم الأوروبية في حالة فزع بعد التوتر في منطقة خليج أرموز و الهجمات على ناقلات البترول الذي أصبح يهدد تزويدها بالوقود و ينذر بحرب محتملة بين الولايات المتحدة الأمريكية و جمهورية إيران الإسلامية.
منذ شهر ماي اتهمت الإدارة الأمريكية إيران بتدبير الهجمات على السفن و عملت على إصدار قرار من مجلس الأمن بدون أن تفلح في توجيه الأصبع نحو طهران. وأصدرت إدارة دونالد ترامب قرارا بعدم التعامل مع إيران ومنع شراء البترول الإيراني مما جعل صادرات النظام الإسلامي تتقهقرمن مليون و نصف برميل يوميا إلى 700 ألف هذا الشهر وهو ما أثر سلبيا على مستوى النمو في البلاد.
و توالت التهديدات الإيرانية أمام عدم وفاء الدول الأوروبية بوعودها في تطبيق بنود الاتفاق التي تقضي برفع العقوبات في صورة التزمت به إيران. و قد أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرارا أن إيران طبقت بنود الاتفاق بدون مراوغة. لكن طهران لم تتمكن من التمتع برفع العقوبات. بل وجدت نفسها أمام عقوبات جديدة و انسداد الأفق أمامها بعدم قدرة الأوروبيين على مواجهة واشنطن. و اعتبر محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، أن واشنطن «تلعب بالنار» مضيفا «لو كنا نريد تطوير أسلحة نووية لكنا قمنا بذلك منذ زمن طويل». و ندد الرئيس حسن روحاني بـ«كذب» نظام دونالد ترامب في ندائه إلى الدخول في مفاوضات.
الإعلان الثلاثي
في هذه الظروف المتأزمة، حاولت العواصم الأوروبية إقناع الإيرانيين بعدم التخلي عن الاتفاق. و أصدرت فرنسا و بريطانيا وألمانيا يوم 14 جويلية بيانا مشتركا طالبت فيه بـ«وقف التصعيد و استئناف الحوار» مشيرا إلى «خطورة أن يفرط الاتفاق و ينحل تحت الضغوطات المفروضة من قبل الولايات المتحدة و بعد قرار طهران عدم تطبيق عدد من الإجراءات المركزية للاتفاق». و كرر وزراء خارجية أوروبا في اليوم الموالي، خلال اجتماعهم في بروكسل، بتمسك أوروبا بالاتفاق واعتبارهم أن «الاتفاق لم يمت بعد» لكنهم لم يبرهنوا على قدرتهم على تجنب العقوبات الأمريكية وتطويقها.
و قد أرست الدول الأوروبية نظاما، سمي بآلية دعم التبادل التجاري، لتبادل السلع مع إيران بالمقايضة لا تستخدم فيه العملة الأمريكية و لا تتعاطى مع التراب الأمريكي من أجل تحصين التبادل في خطوة وقائية تبعد شبح العقوبات الأمريكية و تشجع الشركات على التبادل. و قررت عشر دول المشاركة في هذا النظام الذي يضمن شراء المنتجات الإيرانية مقابل تمكين الشركات الإيرانية من التزود في السوق الأوروبية. لكن هذا النظام المعتمد لم تسانده إيطاليا و بولندا و لم يدخل حيز التنفيذ خمس سنوات بعد إمضاء الاتفاق. وقرار بدء التبادل في الأيام القادمة بالتركيز على مواد استهلاكية مثل الدواء و المواد الصحية و الغذائية لا يحل المشكلة ، حسب طهران، لأنه لا يشمل المواد البترولية.
خلاف أوروبي أمريكي
مع تجديد الطاقم القيادي للإتحاد الأوروبي، بدأت بعض التصريحات تشير إلى تغيير محتمل في الموقف الوروبي. من ذلك أن عبر جزويب بوريل المسؤول الجديد للخارجية الأوروبي ان أوروبا «لا تعترف بالقوانين العابرة للحدود: التي تستخدمها أمريكا ضد أوروبا لفرض عقوبات على الشركات و البنوك التي تتعامل مع الدول «المحظورة» المحاصرة من قبل واشنطن. واعتبر الإسباني بوريل بعد التحاق بلده بهذه الآلية الجديدة أنها «تمكن من ضمان مبادلات اقتصادية» مع التحذير من «انهيار الاتفاق نهائيا».
و عبر من ناحيته جيريمي هانت ، وزير الخارجية البريطاني و المرشح لخلافة تريزا ماي، عن خطورة « أن تحصل إيران على القنبلة النووية، لآن بلدان أخرى في المنطقة سوف تتبعها و يكون الوضع هكذا خطيرا جدا. غيران ليس لها القدرة على تطوير القنبلة و نحن نريد أن تظل منطقة الشرق الأوسط بدون أسلحة نووية». و أضاف ، معتبرا الخلاف مع واشنطن، «إننا نعتبر الولايات المتحدة حليفنا، لكن الأصدقاء يمكن أن يختلفوا و إيران هي محل خلاف بيننا».
دور فرنسي نشيط
و تحركت الدبلوماسية الفرنسية بصورة فاعلة للتوصل إلى حل وسط. من ذلك أن اتصل الرئيس إيمانويل ماكرون بالرئيس روحاني و أرسل مستشاره الدبلوماسي إيمانويل بون إلى طهران من أجل استحضار فرص الخروج من الأزمة. و تحادث كذلك ماكرون مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل إقناعه بعدم فرض العقوبات وبالشروع في مفاوضات مع إيران. لكن هذه المساعي لم تفض إلى حد الآن إلى إعطاء أمل للإيرانيين مما قوى الشق المناهض للاتفاق داخل إيران و المتمثل في حراس الثورة الذين عبروا عن رفضهم للهيمنة الأمريكية على العالم خاصة بعد أن تم إلحاقهم بقائمة التنظيمات الإرهابية من قبل واشنطن.
و أشار المختصون بالشأن الإيراني في باريس إلى محدودية الدور الفرنسي في هذا الملف و إلى المؤشرات السلبية التي أرسلتها إلى طهران بخروج عدد من الشركات الفرنسية من اتفاقات قديمة مع إيران خوفا من عقوبات أمريكية قاسية. هذا الوضع يعطي للجانب الإيراني شحنة تمكنه من استعمال وسائل ضغط حساسة ضد الأوروبيين لجعلهم يتخذون موقفا سياسيا واضحا يحمي فعليا الاتفاق النووي بدون مراوغات.