تطرق الكاتب والباحث اللبناني في النزاعات الدولية توفيق شومان في هذا الحديث لـ «المغرب» الى الوضع اليوم في سوريا والمنطقة العربية معتبرا ان هناك تحديات عدة تواجه السوريين ، أولها كيفية الحل السياسي وما الصيغة التي يمكن أن تتوصل اليها الأطراف المحلية والخارجية، وثاني التحديات إعادة الإعمار . واشار الى ان العالم العربي يعيش منذ ما يقارب العقد من السنوات مرحلة انتقالية مجهولة الأفق ، و لا يمكن الحسم بنوعية أنظمتها المقبلة ولا بمستقبلها السياسي وربما الجغرافي .
• اولا لنبدأ من الغارات الاسرائيلية الاخيرة على سوريا ، فما قراءتكم لها وما الهدف منها ؟
الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا ، جاءت بعد ستة أيام من انتهاء اللقاء الأمني في تل أبيب بين مستشاري الأمن القومي لكل من روسيا والولايات المتحدة واسرائيل ،وهذا يوحي على الأقل ، بأن التفاهم الأمني بين روسيا واسرائيل لجهة استهداف الوجود الإيراني في سوريا ، قائم على قدم وساق ، صحيح أن هذا اللقاء لم يسفر عن التوصل الى صيغة مشتركة لبحث مستقبل القوات الحليفة للدولة السورية ، إنما استئناف الغارات الإسرائيلية لا يخرج عن صيغة الإتفاق بين موسكو وتل ابيب ، والقاضي بأن تغض موسكو النظر عن الغارات الإسرائيلية مقابل إعلامها مسبقا بتوقيت الغارات أو الضربات الصاروخية .
• وأين وصلت الأزمة السورية وما مستقبل التسوية ؟
على الرغم من أن الجيش السوري وحلفاءه حققوا في السنوات الثلاث الماضية انجازات ميدانية واضحة، واستطاع من خلالها الجيش السوري استعادة ما لا يقل عن 68في المائة من مساحة سوريا ، إلا ان التسوية السياسية بأبعادها الإقليمية والدولية، ما زالت بعيدة عن التبلور والإكتمال.
والتسوية في هذه المرحلة ، تقف على أبواب مناطق « قسد « في شمالي وشرقي سوريا حيث القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة ، وكذلك على أبواب محافظة ادلب وجوارها ، حيث العديد من فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا ، وكذلك جبهة « النصرة « التي تسيطر على مناطق ليست صغيرة المساحة .
وهذا يعني أن التسوية المنشودة بحاجة الى توافق روسي مع الولايات المتحدة من جهة ، والى توافق روسي مع تركيا من جهة أخرى ، وهذان الشرطان غير متوفرين حتى اللحظة .
• «صفقة القرن» التي طرحها الامريكيون مؤخرا بوصفها خطة سلام هل تم التطرق في جانب منها الى الملف السوري ايضا ؟
إذا تم النظر الى صفقة القرن من منظور اقتصادي كما يتم الترويج لها، فإن الملاحظة الأساسية أن المبلغ المقرر لهذا الصفقة والمقدر بخمسين مليار دولار ، لم يتم تخصيص أي نسبة منه لسوريا ، وهذه مفارقة مدهشة ، فالخمسون مليار دولار تم تخصيص 28 مليارا منها إلى السلطة الفلسطينية التي رفضت الصفقة من أساسها ، فيما النسبة المتبقية مخصصة لمصر ولبنان والأردن ، وأما سوريا فلا ذكر لها .
ويؤشر ذلك، إلى أن القائمين على صفقة القرن ينظرون الى القضية السورية من عين مختلفة ، وهذه العين لا ترى حلا قريبا للقضية السورية، ويجب النظر اليها من منظور مختلف وخاص .
• وما علاقة صفقة القرن بالجولان ؟
عمليا استبق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صفقة القرن بالإعلان عن اعتراف واشنطن بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة ، وهذا الإعتراف يناقض القرارات الدولية الداعية إلى انسحاب اسرائيل من الهضبة المحتلة ، وعلى ما يبدو أن الإعتراف الأمريكي ذاك ، هو الذي يجعل الملف السوري بأبعاده الداخلية والخارجية ،ومن ضمنه الجولان المحتل ، خارجا على الأقل ، من ظاهر صفقة القرن وعناوينها الإقتصادية .
• ما التحديات التي تنتظر السوريين وماذا عن الأدوار الخارجية المؤثرة في الازمة السورية؟
هناك تحديات عدة تواجه السوريين ، أولها كيفية الحل السياسي وما الصيغة التي يمكن أن تتوصل اليها الأطراف المحلية والخارجية ، وثاني التحديات إعادة الإعمار ، وهذه اشكالية كبرى فإعادة الإعمار مرتبطة بالتمويل الخارجي ، والتمويل الخارجي مرتبط بالتأثير السياسي على الداخل السوري ، وثالث التحديات يتمثل بعودة النازحين السوريين الى ديارهم ، وعددهم يفوق الستة ملايين ، وهذه العودة مرتبطة هي الأخرى بعاملين ، واحد منها يتصل بالإستقرار والأمن، والثاني يتعلق بالتمويل الخارجي، والدول التي يمكن أن تمول عودة النازحين السوريين لها شروطها السياسية، ولذلك سقطت المبادرة الروسية الخاصة بعودة النازحين حين اصطدمت بجدار التمويل .
• إلى أن يسير العالم العربي وهل نحن امام شرق أوسط جديد ؟
يعيش العالم العربي منذ ما يقارب العقد من السنوات مرحلة انتقالية مجهولة الأفق ، فكل الأقطار العربية التي أثقلتها ازمات ما بعد العام 2011، فضلا عن العراق الذي يعيش أزمات متوالدة منذ نهاية الحرب العراقية ـ الإيرانية في العام 1988، لا يمكن الحسم في نوعية أنظمتها المقبلة ولا بمستقبلها السياسي وربما الجغرافي ، وإذا ما أضيفت وقائع الجزائر والسودان التي فرضت نفسها منذ العام الماضي 2018، يصح القول أكثر ، بأن العالم العربي ما فتىء يبحث عن نفسه ، وهذا البحث قد يستغرق أمدا طويلا .
• هل ما زال خطر « داعش» الارهابي قائما في المنطقة ؟
إن « داعش « كتنظيم يسيطر على الأرض ، غدا أثرا في التاريخ ،وما عاد بمقدروه أن يسيطر على «أرض الخلافة »، إنما « داعش» كتنظيم أمني عابر للدول والمجتمعات ، ما زال قائما ويشكل أخطارا حقيقية ، مع التأكيد على انخفاض منسوب هذه الأخطار عما كانت عليه قبل سنوات .
وعلى هذه الحال ، لن يكون هناك أي مفاجئة ، حين يضرب «داعش» في مكان أو ينفذ عملية أو عمليات انتحارية في أمكنة أخرى ، وعموما غدا واضحا، أن « داعش» يوجد ويتمدد حيث تتقلص سلطات الدول ، خصوصا في الأطراف وعلى الحدود ، وعلى ما يظهر أن قوة «داعش» ، الجاذبة كما كانت عليه الحال بين الأعوام 2014 و2016، تقلصت إلى حد كبير ، فيما « القوة الصلبة» تفككت إلى حد أكبر ، ولم يبق منها سوى قوى موزعة بين مناطق ضيقة جدا في سوريا ، ومخفية ونائمة في العراق ، ومحدودة في أفغانستان وليبيا وبعض دول شمالي افريقيا .
إن تنظيم» داعش» لم يعد يشكل خطرا على الدول ، لكنه ما مازال يشكل اخطارا أمنية متفاوتة على المجتمعات ، إنه بات تنظيما أمنيا ـ شبحيا ومن هنا خطورته .