منبر: إيمانويل ماكرون بين الحوار الوطني والحملة الأوروبية

مصطفى الطوسة
كاتب ومحلل سياسي
يعيش الرئيس الفرنسي هذه الأيام لحظة سياسية متميزة يختلط فيها الشأن الفرنسي الداخلي

الذي ولد من حراك السترات الصفراء التي رفعت شعار الاحتجاجات الاجتماعية باهتمامات الحملة الأوروبية التي اصبح تاريخ انعقادها يطل على الأجندة السياسية الفرنسية والأوروبية والتي تعقد لأول مرة في ظل تداعيات البريكسيت .

وبينما كان الجميع يظنه غارقا في استخلاص العبر من الحوار الوطني لمحاولة الخروج من هذه الأزمة الاجتماعية الخانقة فاجأ الرئيس الفرنسي الجميع برسالة وجهها للرأي العام الأوروبي عبر صحفه النافذة اقترح فيها عدة خطوات تهدف إلى إحداث نهضة وانبعاث جديد للمشروع الأوروبي.

وما أثار انتباه المراقبين هذه الإرادة الرئاسية بالربط بين الرهانين. رهان السترات الصفراء ورهان الحملة الانتخابية الأوروبية. وكأن الرئيس ماكرن يريد تفادي أي وقت ميت لكي يستطيع استثمار العملية التواصلية التي سيطلقها حتما في ختام مسلسل السترات الصفراء للانخراط مباشرة في عملية استقطاب الناخبين إلى صناديق الاقتراع الأوروبية. وفي خضم صياغة هذه الأجندة تلقى الرئيس ماكرن انتقادات من المعارضة اليمينية واليسارية تعاتبه وتعيب عليه انه يستغل المعالجة السياسية والإعلامية لإشكالية السترات الصفراء لكي يرسخ حملته الانتخابية الأوربية التي تقول استطلاعات الرأي إن نتائجها متقاربة جدا بين حزب الرئيس الجمهورية إلى الأمام وحزب مارين لوبين التجمع الوطني.

وقد تسببت الرسالة التي وجهها ماكرون للأوربيين في جدل سياسي فرنسي حيث أحدثت شرخا في اليمين التقليدي الذي سارعت بعض رموزه النافدة مثل جان بيير رافران و الان جوبي بتقديم دعم واضح لها و مباركة المشاريع الأوروبية للرئيس ماكرون. وبالرغم من أن الرئيس ماكرون خفف من لهجته الانتقادية اتجاه التيار القومي الذي كان وصف صعوده في أوروبا بالطاعون إلا أن النبرة التي طبعت هذه الرسالة كانت تهدف إلى طمأنة واستقطاب اليمين الخائف من موجات الإرهاب التي ضربت التراب الأوروبي في السنوات الأخيرة وأزمة المهاجرين التي تهدد التوازنات الاجتماعية. ومن ثم الإشارة الواضحة لضرورة إعادة النظر في آليات فضاء شنغان وضرورة التركيز على حماية الحدود المشتركة لدول الاتحاد الأوروبي.

ما بين نهاية مسلسل الحوار الوطني و انطلاق الحملة الأوروبية يراهن الرئيس ماكرون على ان الحلول التي سيقترحها قد تمنح زخما ملموسا لمضمون هذه الحملة في حين تراهن المعارضة الفرنسية المجسدة بمارين لوبين عن التجمع الوطني لوك ملونشون عن فرنسا الأبية و لوران فوكيي عن حزب الجمهوريون على حالة الإحباط التي قد تنتاب الشارع الفرنسي اتجاه الخلاصات التي ستستنتجها الحكومة الفرنسية من حراك السترات الصفراء و التي قد تترجم هذا الغضب و الحرمان في صناديق الاقتراع الأوربي عقابا للخيارات السياسية و الاقتصادية لعهدة الرئيس ماكرون.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115