ووزنه يزيد قليلاً عن أربعة كيلوغراماتٍ (تسعة أرطال). يُعاني فواز من سوء تغذية حادّ، وهو يُقيم في المستشفى منذ أكثر من شهر وبالكاد يحتمل الحليب العلاجي الذي يُعطى إليه. وعلى الرغم من كل ذلك، فهو مثابرٌ، عازمٌ على العيش. وبصمتٍ مُطبق، تمكث رُقيّا، والدة فواز، بجانب ابنها ليلاً نهاراً، تترقّب حالته للتأكّد من صموده.
لم يستجب فواز لنوعين مُستخدمين من الحليب العلاجي على غرار معظم الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد. وبعد أسابيع من الفشل بإنجاح العلاج وعمليات نقل الدم العديدة، انتقل الأطباء إلى معالجة فواز بالحليب المضاد للحساسية الباهظ الثمن، وبالتالي تعيّن على عائلة فواز تحمّل كلفته.
لا يمكن لفواز أن يستعيد عافيته من دون هذا الحليب. إلا أن عافيته ستكلّف عائلته ثمناً باهظاً. كلفة كل علبة من هذا الحليب هي حوالي 30 دولاراً. ولهذا الأمر عواقب مدمّرة لاسيّما بالنسبة للعائلات التي تعيش على بضع دولارات في اليوم. إن تأمين الدواء لطفل واحد يعني وجبة أقل في اليوم، وغذاءً أقلّ للعائلة، الأمر الذي يزيد من خطر سوء التغذية بالنسبة لباقي أطفال الأسرة.
لهذه القصة خاتمة سعيدة. ربح فواز، وغادر المستشفى في 20 ديسمبر، واستمرّ بالتعافي. غير أن الملايين من اليمنيين لا يزالون يواجهون ظروفاً صعبة مماثلة. تشير تقديرات إحدى وكالات الإغاثة إلى أن حوالي 85 ألف طفل في اليمن قد خسروا كفاحهم ضد المجاعة منذ العام 2015.
ومن بين حوالي 20 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة لتأمين الغذاء، هناك ما يقرب 10 مليون شخص هم قاب قوسين من المجاعة، بمن فيهم 240 ألف شخص تقريباً يواجهون مستويات كارثية من الجوع وبالكاد هم على قيد الحياة.
فقط نصف المرافق الصحية فقط في البلاد مازالت تعمل بشكل كامل. أُصيب مئات الآلاف من الناس بالأمراض في العام الفائت بسبب سوء الصرف الصحي والأمراض المنقولة بواسطة الماء. وزادت الاحتياجات في جميع القطاعات بشكل كثيف. يعاني الملايين من اليمنيين من الجوع والمرض والضعف حاليا أكثر مما كانوا عليه في العام الفائت.
إن الأمم المتحدة وشركاءها في الشق الإنساني يبذلون قصارى جهدهم ليحصل أمثال فواز على فرصة للنضال. فعلى مدار العام 2018، وعلى الرغم من كون اليمن واحدة من أخطر الأماكن التي يمكن العمل فيها وأكثرها تعقيداً، قام نحو 254 شريكاً دولياً ووطنياً بالتنسيق في ما بينهم لتأمين الدعم لليمنيين وبالتالي إنقاذ حياتهم. نحن نساعد معاً حوالي 8 ملايين شخص كل شهر في جميع أنحاء البلاد، وهذه أكبر عمليات الاغاثة في العالم. في شهر ديسمبر وحده، سجّلنا رقماً قياسياً في مجال تقديم المساعدات الغذائيّة لأكثر من 10 ملايين شخص.
ولكن، يتعيّن علينا القيام بأكثر من ذلك بكثير. نحن نعلم أننا نستطيع إنقاذ الملايين من الأرواح هذا العام. إلا أن الوقت ينفد، والمال كذلك.
لهذا السبب، ستعقد الأمم المتحدة في 26 فيفري مؤتمراً رفيع المستوى لإعلان التبرعات في جنيف، تتشارك في عقده حكومتا السويد وسويسرا. نحن بحاجة إلى أربعة مليار دولار للاستجابة الإنسانية في اليمن هذا العام، أي بنسبة تزيد عن 33 بالمائة عن العام الماضي، وذلك لتأمين الغذاء، وعلاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية على غرار فواز، والرعاية الصحيّة، والمياه النظيفة، إلى غير ذلك من أعمال الإغاثة.
قد يبدو حجم التمويل المطلوب هائلاً، لكنه سيمكننا من مساعدة 15 مليون يمني- حوالي نصف عدد السكان- عبر مكافحة الكوليرا، وحماية الأطفال من الأمراض الفتاكة، ومعالجة سوء التغذية، وتحسين الظروف المعيشيّة لأكثر الناس ضعفاً. ببساطة، لا يمكن لكل ذلك أن يحدث من دون تمويل إضافي.
لم تتوقف الدول المانحة عن التبرّع بسخاء للاستجابة الإنسانية لليمن، ونحن نحثّها على القيام بذلك مجددّاً هذا العام. من مصلحتنا جميعاً أن نمنع المأساة الإنسانيّة في اليمن من التدهور أكثر. لدي كل الأمل في أن ينقذ عملنا الجماعي في جنيف المزيد من الأرواح ويدعم العملية السياسية للاتجاه نحو حل سلمي.نحن مدينون لأطفال اليمن وعائلاتهم.