العاصمة الخرطوم رافعين شعارات تطالب بإسقاط الحكومة . واللافت كان في اعلان اكثر من 22 حزبا مؤيدا للنظام انضمامه الى صفوف المحتجين وتوسع الحراك الشعبي في كل ولايات السودان ...ورغم ان المظاهرات شهدت عمليات كر وفر بين المحتجين والشرطة إلّا ان المتظاهرين أكدوا على سلمية احتجاجاتهم ومنع انزلاقها الى اتون العسكرة او التدخل الخارجي كما حصل في سوريا وليبيا ...
ويحكم عمر البشير منذ ثلاثين عاما حيث وصل بانقلاب عسكري على الحكومة الديمقراطية المنتخبة آنذاك برئاسة رئيس الوزراء الصادق المهدي ..وتثير سياسات النظام جدلا واسعا سواء لجهة قمع المعارضين لحكمه او ادخال البلاد في اتون حروب عبثية سواء في دارفور او في جنوب السودان ..كما تحمّل اطياف عديدة النظام مسؤولية انفصال السودان بسبب المجازر التي ارتكبها بحق ابناء الجنوب . ويلاحق البشير دوليا لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور..
وتجدر الاشارة الى انها ليست المرة الاولى التي يواجه فيها البشير الغضب الشعبي فقد اندلعت مظاهرات عديدة معارضة لسياساته آخرها في سبتمبر من العام 2013 احتجاجا على ارتفاع نسب البطالة والفقر وانخفاض مستوى معيشة الفرد وقد سقط خلالها 200 متظاهر ...
أسباب عديدة
ويؤكد عادل عثمان جبريل الباحث والكاتب السوداني المتخصص في الهجرة والتنمية في حديثه لـ«المغرب» ان هذه الاحتجاجات ضد نظام عمر البشير تعد من اقوى الاحتجاجات التي حصلت في تاريخ الديكتاتورية التي فشلت في ايجاد حلول للتنمية الاقتصادية في السودان وذهبت الى اكثر من ذلك متسببة في انفصال جنوب السودان وارتكبت مجازر في دارفور وجنوب السودان وخلال الحرب التي دارت في جنوب النيل الازرق .
وأضاف بالقول :«ان هذه الاحتجاجات هذه المرة تتميز بعدة سمات لعل اهمها انه خاضها شباب من الجنسين نساء ورجال وانتظمت في اكثر من 28 مدينة سودانية وانطلقت بسرعة كبيرة وهذا يؤكد ان النظام افلس في ايجاد كل الحلول والحياة الكريمة للشعب السوداني .. فوسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا في تجييش المواطنين في كل المدن والميزة الرابعة في هذه الاحتجاجات انها كانت نهاية عهد الخوف الذي لازم السودانيين لفترات طويلة. واكد محدثنا ان اغلب المدن انتفضت بصورة عفوية وتوجه المحتجون الى مقرات الحزب الحاكم مشيرا الى انها مظاهرات سلمية شابتها بعض الممارسات البسيطة من المخربين الذين زرعتهم اجهزة السلطة..
واضاف :«هي محطة مفصلية في تاريخ السودان ...وهذه المرة الجماهير سبقت الاحزاب السياسية وانا متفائل بنجاح الانتفاضة في ان تخلق واقعا جديدا في الخارطة السياسية في السودان ونهاية عهد الديكتاتورية».
بين الاقتصادي والاجتماعي
ولئن كانت الاسباب الرئيسية للهبة الشعبية هي اقتصادية واجتماعية بالاساس بسبب تردي الوضع المعيشي الا انه - بحسب محدثنا- فان هذه الازمة هي ازمة الاسلام السياسي في كل المنطقة العربية وفي السودان بصورة خاصة..
واضاف بالقول :«فبعد ثلاثين سنة تقريبا فشل الحكم الاخواني في توفير ادنى احتياجات الموطن وفي تحقيق التنمية المتوازنة وخلق الرفاهية للمواطن عدا عن تفشي الفساد السياسي والاداري حيث تم نهب كل خيرات البلاد من عائدات البترول والذهب لمصلحة النظام السياسي والمحسوبين عليه .
وتشير التقديرات الاساسية الى ان نسبة الفقر تجاوزت الـ 70 بالمائة من سكان البلاد في حين ارتفعت نسبة البطالة وسط الشباب مع انعدام فرص العمل للخريجين مما ادى الى سخط مجموعة كبيرة من الشباب . كما قال محدثنا ان افرازات الحرب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي كانت دائرة في جنوب السودان ومناطق اخرى مثل دارفور وجنوب النيل الازرق هي من اسباب اندلاع الانتفاضة الحالية فالحكومة لم تستطع خلق ارضية سليمة لبناء سياسي يتوافق عليه كل اهل السودان» ..
اين يسير الوضع؟
يجيب محدثنا بالقول بان الوضع يسير الى نهاية النظام والى خلق واقع سياسي جديد في السودان كما حصل في ثورة اكتوبر 1968 التي قامت بإزاحة الفريق عبود وكما حصل في افريل 1985 في ازاحة الديكتاتور جعفر النميري . لكنه استطرد بالقول :«هناك تحولات داخلية واقليمية فهناك معركة طويلة سياسية ولن تكون بالسهلة كما حدث في الثورات السابقة لعوامل عديدة منها طبيعة النظام الديكتاتوري . فهذا النظام تغلغل في كل اجهزة الدولة واصبح لديه ميلشيات خاصة به وله موالون كثر داخل القوات المسلحة والقوات الامنية والشرطة والمخابرات . وانشأ الكثير من الفرق العسكرية الشعبية سواء في دارفور او غيرها واصبحت مصالحها مرتبطة بوجود النظام مما يؤثر في التغيير القادم».
وشدد على التزام المحتجين التام بسلمية الثورة وعدم عسكرتها وعدم رفع السلاح معتبرا انها واحدة من الدروس المهمة التي يمكن الاستفادة منها في الدرس السوري .وعمر البشير يحاول قدر الامكان ان يشوش على الثوار ودفعهم الى طرق عسكرية ولكن الالتزام بسلمية الانتفاضة و الثورة مهم جدا لنجاحها لانها ستتطور من احتجاجات الى عصيان مدني حتى تصل لغاياتها الاساسية .. اما بشأن المخاوف من استغلال الوضع من قبل اطراف خارجية فقال :«اعتقد ان السودان له وضع جغرافي خاص بسبب موارده الطبيعية ..»
وكذلك ما يحدث في السودان يؤثر بشكل كبير في الجهة الشمالية في مصر ودول الخليج العربي وفي المحيط الافريقي .وايضا يؤثر في المحيط العالمي وهذا يؤكد ان كثيرا من الدول تتابع ما يحدث في السودان لحظة بلحظة ومن المهم جدا التواصل مع هذه الجهات والدول لطمأنتها حول مستقبل السودان كدولة فاعلة في المجموعة الدولية وليس كما فعل عمر البشير من استغلال السودان لتحقيق اغراض الاسلام السياسي ودعمه للمجموعات المتطرفة في كل دول العالم حتى اصبح الرئيس السوداني مطلوبا للعدالة الدولية.
وقال ان هناك دولا عديدة لها مصالح واستثمارات في السودان مثل الصين ودول الخليج العربي اضافة الى التعاون الاخير الذي بدأ بين السودان وروسيا في عدة مجالات عسكرية والتعاون بين السودان وتركيا ..فكل هذه الاطراف لها مصالح كبيرة في السودان واشار الباحث السوداني الى انه يجب الاخذ في الاعتبار كل هذه المسائل من اجل خلق ارضية جيدة لنجاح الثورة على حد قوله».