زلزال سياسي في أمريكا اللاتينية: البرازيل يختار في شخص جايير بولسونارو رئيسا عنصريا، مناهضا للأقليات ومعاديا للنساء

إنتخب البرازيليون يوم الأحد 28 أكتوبر مرشح اليمين المتطرف جايير بولسونارو رئيسا للبرازيل في

الدورة الثانية من الإنتخابات الرئاسية بنسبة 55 % مقابل 45 % لمرشح حزب العماليين فرناندو حداد. و كان انتخاب بولسونارو متوقعا بعد انسحاب لولا دا سيلفا من السباق في شهر سبتمبر إثر قرار المحكمة العليا منعه من المشاركة في الانتخابات بسبب سجنه لمدة 12 عاما بتهمة الفساد.

ووعد الرئيس البرازيلي الجديد، إثر الإعلان عن فوزه، بـ«الدفاع عن الدستور و الديمقراطية والحرية» وقال «هذا ليس وعدا من حزب سياسي أو مجرد قول فضفاض، بل هو وعد أمام الرب». ثم أضاف متوجها لأنصاره «سوف نغير معا مصير البرازيل. لا يمكن لنا أن نواصل مغازلة الاشتراكية والشيوعية و الشعبوية اليسارية»، تحت هتاف مسانديه في الحملة الرئاسية.

وكان المرشح بولسونارو قد حصل على دعم من الكنيسة الإنجيلية التي تمثل ثلث المواطنين و من كبار الفلاحين البيض و رجال الأعمال الذين أكدوا على ضرورة تغيير الأوضاع في البرازيل خاصة بعد استفحال حالات العنف وتسجيل السلطات وقوع حالة قتل كل عشر دقائق في السنوات الأخيرة. وعبرت الأطراف المساندة للرئيس الجديد عن تعلقها باستتباب الأمن وبمقاومة العصابات الإجرامية وتجار المخدرات وإرساء نظام ليبرالي يتحرر من القيود البيروقراطية ويخرج البرازيل من وضعه الاقتصادي المتردي. واستغل بولسونارو خيبة أمل شرائح عديدة من البرازيليين أعطوا ثقتهم للزعيم النقابي سيلفا دا لولا لتغيير الأوضاع قبل اندلاع فضائح الفساد التي هزت أركان حزب العماليين وحولت أنظارهم نحو المرشح بولسونارو الذي ركز في حملته على «الأمن والنظام والنزاهة».

من هو جايير بولسونارو؟
جايير بولسونارو هو من أصل إيطالي يمثل مناطق في جنوب البلاد يسكنها مواطنون ينحدرون أساسا من الإيطاليين و الألمان الذين فروا من أوروبا أعقاب الحرب العالمية الثانية بعد سقوط الأنظمة الفاشية. كان ينتمي للجيش البرازيلي برتبة نقيب حتى دخوله المعركة السياسية في التسعينات حيث انتخب نائبا في البرلمان و أعيد انتخابه بدون انقطاع.

منذ بداياته في العمل البرلماني أظهر بولسونارو مواقف حادة ، عنصرية و متطرفة ضد السود والنساء و الأقليات الهندية من السكان الأصليين للقارة الأمريكية. وأظهر النائب جايير بولسونارو عداء لليسار البرازيلي وسياساته التي اعتبرها «شعبوية». وصنف في عديد الخطب أنصار حزب العماليين كأعداء للوطن ووعد بملاحقتهم وتشريدهم ورميهم في السجون وحتى «رميهم بالرصاص» في صورة تم انتخابه على رأس الدولة. ووعد أنصاره خلال الحملة الانتخابية بتحرير بيع الأسلحة ، مثل ما هو جار به العمل في الولايات المتحدة الأمريكية، و باستخدام التعذيب ضد تجار المخدرات كوسيلة لردعهم. وأوضحت عمليات سبر الاراء خلال الحملة الإنتخابية أنه يتمتع بمساندة 83 % من البيض في جنوب البلاد وأن أفكاره تتماشى و تطلعات عديد الفئات الغنية التي لها حنين لعهد الدكتاتوريات العسكرية التي حكمت البلاد من 1964 إلى 1985. وكان بولسونارو قد اعتبر في حديث لقناة «تي في غلوبو» أن الانقلاب العسكري لعام 1964 كان «ثورة ديمقراطية». وهو ما أربك البرازيليين وخلف خوفا من رجوع عهد العسكر.

تخلي الرأي العام عن الاشتراكيين
بعد مساندة الزعيم النقابي لولا دا سيلفا لولايتين ثم خليفته ديلما روساف، حلم فيها بتغيير جذري لأوضاع الفقراء والمستضعفين، شعر الرأي العام البرازيلي، وخاصة مناصري الرئيس لولا، بخيبة أمل عميقة تجاه الطبقة السياسية بعد أن عانت الفئات الضعيفة من الفقر مع الحكومات اليمينية المتتالية و شعرت بالتحاق الرئيس لولا والرئيسة روساف بأطروحات رجال الأعمال الليبرالية. و تزامنت خيبة الأمل هذه مع الركود الاقتصادي واستفحال العنف في شوارع البرازيل وتحكم العصابات الإجرامية وتجار المخدرات بمفاصل المجتمع مما أجبر الدولة على الاستنجاد بالقوى المسلحة لتفكيك شبكات الإجرام. و ترك ذلك أثرا سيئا في نفوس المواطنين من مختلف الفئات جعل بعضهم يحن لزمن الدكتاتوريات و يحلم بالزعيم المنقذ.

وزادت خيبة الأمل باستفاقة البرازيليين على تعدد فضائح الفساد المالي المتعلقة برموز النظام اليساري الذي حكم البلاد لمدة 12 سنة. وهو ما ساهم في تخلي جزء هام من ناخبي اليسار عن مرشح حزب العماليين فرناندو حداد والتجائهم لجايير بولسونارو الذي عرف كيف يستغل توق الفئات الشعبية للأمن والسلام . وفي تعبير بولسونارو عن تمسكه بقيم العائلة والعمل والدين وجد مساندة من عديد الفئات المختلفة التي لا تزال تحن للمبادئ التي أرساها النظام العسكري والتي تخلى عنها النظام الديمقراطي البرازيلي الفتي والهش. إرادة التغيير التي دافع عنها بولسونارو في شعاراته الانتخابية وجدت صدى في «الرغبة في قلب الطاولة» التي عبرت عنها القوى المحافظة في عديد المقاطعات البرازيلية وساهمت في جمع 55 % من الأصوات لفائدته.

اليوم و مع تخوف البعض من «رجوع العسكر» للحكم و من «استفحال الفاشية الجديدة» في الحياة السياسية البرازيلية، يدخل البرازيل فيلق الأنظمة، على المستوى الدولي، التي اتخذت منذ مدة القومية نهجا لقيادة شؤونها في أوروبا (المجر و بولونيا و إيطاليا و النمسا) و في آسيا (نظام أردوغان في تركيا ونظام دوتارت في الفيليبين) و في أمريكا الشمالية (دونالد ترامب). موجة القوميات هذه تبدو و كأنها رد استراتيجي على نظام العولمة الذي استحوذ على مسالك اتخاذ القرار الوطني على حساب الشعوب التي لم يبق لها سوى الحلم بالزعيم الوطني الذي ينير لها طريق الخلاص. في أمريكا اللاتينية صراعات أخرى تجري في فنزويلا و في نيكاراغوا وفي غيرها من البلدان توحي بترعرع للفكر القومي الذي يبشر بتحولات إضافية في المستقبل. لكن البرازيل الحالي يبقى منقسما بين شمال يساند الاشتراكيين وجنوب يدعم التوجه القومي المتطرف لبولسونارو. مسؤولية هذا الأخير الذي عبر عن احترام الدستور والديمقراطية والحرية جسيمة في توحيد البرازيليين حوله و إتباع سياسة لا تزيد من سكب الوقود على النيران التي أشعلها خلال حملته الانتخابية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115