الإقامة الجبرية في انتظار محاكمته بتهمة «التجسس» و «مساندة الإرهاب». و رفض رجب طيب أردوغان إطلاق سراحه طلبا من واشنطن مما أدى إلى اتخاذ ترامب إجراءات ضد وزيري الداخلية و العدل بمصادرة ممتلكاتهما وتجميد رصيديهما في الولايات المتحدة. و دخلت أنقرة في عملية لي الذراع مع واشنطن بعد أن فرضت عليها الإدارة الأمريكية مضاعفة الأداء على الصلب و الألمنيوم. و تدهورت من جراء ذلك قيمة الليرة التركية في الأشهر الأخيرة بنسبة 40 %.
الرد التركي الأخير، الذي قرره الرئيس أردوغان،جاء بفرض إجراءات مماثلة ضد الصادرات الأمريكية نحو تركيا. هذه الخطوة أججت حدة الخلافات بين الطرفين و أضافت إلى البعد الدبلوماسي بعدا اقتصاديا بفتح «حرب اقتصادية»بين بلدين صديقين عضوين أساسيين في الحلف الأطلسي. و صرح الرئيس التركي مؤخرا لجريدة «نيو يورك تايمز» الأمريكية أن «الولايات المتحدة فشلت باستمرار في فهم مشاغل الشعب التركي» و أنه «في السنوات الأخيرة شراكتنا في الحلف الأطلسي اهتزت بسبب الخلافات».
وضع اقتصادي صعب بعد الازدهار
كل المؤشرات الاقتصادية أصبحت هذا العام تشير إلى تفاقم الأزمة في تركيا بعد أن فقدت الليرة 40 % من قيمتها منذ بداية السنة و وصلت نسبة التضخم إلى 15 % و نسبة العجز الجاري للناتج الداخلي الخام إلى 7 %. وهي أرقام في تزايد من شهر إلى آخر دون أن يأتي رد سياسي ملائم من الجانب التركي لوقف النزيف. الرد الوحيد من الرئيس التركي جاء في خطاب شعبي أمام أنصاره قال فيه «لا تنسوا، هم لهم الدولارات و نحن لنا شعبنا، و لنا الله». بل أن جل الخبراء يعتبرون أن تغيير نظام الحكم منذ إعادة انتخاب الرئيس أردوغان وسيطرته المطلقة على كل السلطات في الجيش و الأمن والتعليم و البرلمان والإعلام بعد نزيف من الاعتقالات و المصادرات و غلق وسائل الإعلام المستقلة غير الداعمة للنظام، أظهر هشاشة النظام عندما تخوف المستثمرون من غياب الإدارة العقلانية للشأن العام وغيروا سياساتهم تجاه تركيا. وزاد تخوفهم بعد تعيين صهر الرئيس التركي على رأس وزارة الاقتصاد والمالية. البعد الآخر للأزمة التركية هو هشاشة البنية التحتية الاقتصادية نتيجة الاستثمار في مشاريع كبرى استهلاكية غير نفعية و التخلي عن دعم البحث ونمو القطاع الصناعي الإنتاجي.
البديل الآني للرئيس التركي هو طلب النجدة من أنصاره في الداخل والخارج. من ذلك زيارة أمير قطر إلى أنقرة و إعلانه استثمار 15 مليار دولار من الاستثمار في القطاع البنكي أساسا لتهدئة مخاوف المستثمرين القطريين الذين لهم استثمارات في تركيا فاقت 20 مليار دولار. وهو عربون وفاء للدعم الذي تقدمت به أنقرة لدولة قطر لإعانتها في الحصار المفروض عليها منذ 2017 من قبل المملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين.
«مؤامرة» دولية
إعتبر الرئيس أردوغان أن الأزمة هي نتيجة «مؤامرة دولية» تحاك ضد تركيا مقدما نظامه كضحية أمام الرأي العام باعتبار أن الدول الغربية تدعم الداعية غولان المتهم بتنظيم محاولة الانقلاب ضد أردوغان. خطاب الاستهلاك والدعم لا يكفي لحل أزمة مفتوحة مع الدولة العظمى الأولى خاصة أن تركيا اليوم لا تملك مفاتيح الخروج منها. في حواره مع «نيو يورك تايمز» حذر أردوغان قائلا : «إذا تواصل التوجه الأحادي الجانب وعدم الاحترام، فإننا سوف نجد أنفسنا مضطرين للبحث عن أصدقاء وحلفاء جدد».
هذا التحذير يعطي للأزمة بين تركيا و الولايات المتحدة بعدا إستراتيجيا و إقليميا. إذ طور النظام الإسلامي في تركيا علاقاته مع روسيا و إيران من خلال النزاع في سوريا. ووعد أردوغان بشراء صواريخ س 400 وتركيزها على الأراضي التركية وهو ما يهدد أمن الدول الأوروبية. في لعبة الشطرنج هذه، يمتلك الجانب التركي بيادق يستعملها. لكن هل يكفي أن ينجح في لعبته الإقليمية أمام لاعبي الشطرنج الروس والإيرانيين الذين أظهروا إلى حد الآن حذقا متطورا في لعبة الشرق الأوسط المعقدة وسجلوا تقدما في مواقع نفوذهم في المنطقة؟