الكاتب والباحث السوري طارق عزيزة لـ «المغرب»: سوريا مقبلة على سيناريوهات مختلفة تتطلّب تنسيقاً مباشراً بين روسيا وتركيا وإيران

• مصير إدلب لم يحسم بعد رغم ما يشاع عن المعارك الكبرى التي تنتظرها
قال الكاتب والباحث السوري طارق عزيزة لـ «المغرب» ان التدويل السياسي والعسكري هو السمة الاهم

في المشهد السوري . واضاف في حديثه لـ «المغرب» انه لم يتمّ الشروع حتى الآن في عملية سياسية جديدة، وذلك لغياب الإرادة الحقيقية والتباين الحادّ في المصالح،و في فهم كل فريق لشكل «التسوية» ومضمونها . واشار الى ان مصير ادلب لم يحسم بعد رغم ما يشاع عن المعارك الكبرى التي تنتظرها .

كيف هو الوضع في سوريا اليوم؟
لا جديد في القول إنّ الأمر خرج من أيدي السوريين منذ أمد طويل، فالتدويل سياسياً وعسكرياً وغياب أي دور مؤثّر للعنصر الوطني أو بالأحرى الداخلي، أصبح السمة الأهم في المشهد السوري. لكنّ تكريس هذه الوضعية وتصلّبها، يفرض علينا – كسوريين - الإقرار بأنّ التوصيف الأنسب لحالة سوريا اليوم هو أنّها أقرب ما تكون إلى دولة تحت الإحتلال، أو منقوصة السيادة على أقلّ تقدير. فماذا يعني أن تُستباح أجواؤها وأراضيها من قبل قوى إقليمية ودولية متعدّدة، بعضها لم يتورّع عن إقامة القواعد العسكرية فيها، فضلاً عمّا يجري من «مفاوضات» بين «الآخرين»، روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران و»إسرائيل».. وغيرهم، حول سوريا ومستقبلها. بعضهم أصبح يتحدّث ويقرّر باسم السوريين أو فئةٍ منهم على الأقل، سواء أكان المتحدّث يزعم تمثيله أو دعمه للنظام أو للمعارضة، وإن ادّعاء أحد هذين الأخيرين بأنّه «فوّض» هذا الفريق أو ذاك، لا يغيّر من حقيقة الاحتلال أو انتقاص السيادة شيئاً.

أين وصلت المعارك؟
أرى من غير الدقة الحديث عن «معارك» تماماً، لأن التطورات الميدانية المتلاحقة خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي أفضت إلى استعادة النظام مساحاتٍ واسعة من المناطق التي كانت خارجة عن سيطرته، لم تشهد مواجهات عسكرية كبرى بشكل مباشر، بقدر ما أن النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين اعتمدوا على حملات مكثّفة من القصف العنيف بمختلف صنوف الأسلحة لا سيما الطيران الحربي ضدّ المدنيين والأحياء السكنية، فكان هذا عاملاً حاسماً في رضوخ مقاتلي المعارضة لشروط «المصالحات» التي فرضها الروس والنظام. ولا يخفى انقطاع الدعم المادي والسياسي عن فصائل المعارضة المختلفة وعمق الخلافات فيما بينها، فهذا ايضاً ساهم في انهيار الجبهات في مناطق عدّة، أي أنّ معظم المدن والبلدات جرى تسليمها تقريباً دون قتال أو معارك فعلية.

بالنسبة لموضوع إدلب وريفها وما تبقى من مناطق الشمال السوري التي ما تزال تحت سيطرة الفصائل الإسلامية بشكل رئيسي، ورغم ما يشاع عن المعارك الكبرى التي تنتظرها، يبدو أن مصيرها لم يُحسم تماماً بعد. الحديث يدور حول احتمالات أو سيناريوهات مختلفة، وإن كانت جميعها تتطلّب تنسيقاً مباشراً بين روسيا وتركيا وإيران، سواء كان الخيار هو العمل العسكري للقضاء على الفصائل المتواجدة هناك والمصنّفة على لوائح الإرهاب، أو عُهِد إلى الأتراك بالإشراف على المنطقة كجزء من دورها في «مناطق خفض التصعيد»، وبالتالي إيجاد السبل الملائمة لتدبّر أمر المسلحين هناك، خاصّة وأنّهم أعلنوا التوحّد استعداداً للمرحلة المقبلة، وأن هذا تمّ بدعم تركيّ.

أمّا «المعارك» ضدّ «داعش» الارهابي، ودون أن نخوض في أصل التنظيم وفصله، وهل هو عميل لأجهزة مخابرات معينة أم يتبادل منافع معها أو غير ذلك.. فأفترض أنّ هذه حكاية لن تنتهي قريباً، لأن هذا التنظيم الإرهابي ما زال يشكّل حاجة من نوع ما لأكثر من طرف، والأسلوب الذي يتمّ فيه التوصّل مع مقاتليه إلى «تسويات» غامضة بعد كل معركة، تفضي إلى انتقالهم مع أسلحتهم بيسر وسهولة من مكان إلى آخر. يتعزّز هذا الافتراض بعد ما شهدناه عند نقلهم من جنوب دمشق إلى ريف محافظة السويداء، ثم ارتكابهم المجازر والأهوال انطلاقاً من أمكنتهم الجديدة.

ما هي آفاق التسوية في ظل كل هذا التخبط؟
الحديث عن «حل سياسي» في سوريا كان النقطة المشتركة في الخطاب الرسمي المعلن لمختلف الفرقاء، وأول ترجمة عملية له كانت مؤتمر جنيف1 وبيانه الشهير، الصادر في 30 جوان 2012. رغم ذلك لم يتمّ الشروع حتى الآن في عملية سياسية جديدة، وذلك لغياب الإرادة الحقيقية والتباين الحادّ في المصالح، وبالتالي في فهم كل فريق لشكل «التسوية» ومضمونها. في ضوء ذلك سعى كل طرف إلى تعزيز مواقعه على الأرض بما يتيح تقوية موقفه التفاوضي، وفرض رؤيته في أي تسوية محتملة. أمّا الآن، وقد أخذت مناطق النفوذ ترتسم بشكل شبه نهائي، وفي ظل الانكفاء الواضح للعديد من اللاعبين لصالح بروز لاعبين آخرين، فالأرجح أنّ الفرصة مؤاتية للّعب على المكشوف، والتفاهم على تثبيت مناطق النفوذ. أما تطلّعات الشعب السوري بالحرية والكرامة فتُسوّى بالأرض إلى حين.

وماذا بشأن مشكلة اللاجئين وامكانية عودتهم؟
الروس يركّزون بقوّة على هذه المسألة، للإيحاء بأن الحرب في سوريا انتهت، و«الاستقرار» يعود إلى البلاد بفضلهم، فهذا سيتيح لموسكو فرض رؤيتها للتسوية السياسية بما يضمن مصالحها. وبالمناسبة لا يقتصر النشاط الروسي في هذا الشأن على دول الجوار، بل يتعدّاه إلى أوروبا من خلال دعم الأحزاب اليمينية المتطرّفة التي تضغط على حكوماتها لترحيل اللاجئين. لذا يجب التمييز بين تناول الموضوع لغرض سياسيّ ودعائيّ من أي جهة كانت، أو لحسابات انتخابية داخلية كما في بعض الحالات، وبين جوهر القضية، وهو ما نريده ويريده كلّ السوريين الذين هُجّروا قسراً من ديارهم: العودة الحرة الكريمة والآمنة. فأيّ عودة هذه والنظام الذي قتلهم وهجّرهم مازال في السلطة، وأكثر من نصف البلاد مدمّر؟.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115