لويدجي دي مايو لتشكيل حكومة ائتلافية بدون مشاركة فورسا إيطاليا لسيلفيو برلسكوني، وأن الزعيمين سوف يقدمان للرئيس سرجيو ماتاريلا برنامج الحكومة و رئيسها الجديد امس الإثنين. وأعلن القصر الرئاسي أن رئيس الدولة سوف يقابل الزعيمين على انفراد عشية الإثنين 21 ماي قبل دراسة مقترحاتهما.
و كان الرئيس ماتاريلا قد أعلن خلال مسلسل المفاوضات التي انطلقت بعد انتخابات 4 مارس أنه لن يكون «عدل إشهاد» يقر بما تقرره الأحزاب، بل أوضح أنه الحامي للدستور و لوحدة الأمة الإيطالية و للمعاهدات الدولية التي أمضتها إيطاليا. و أمام فشل الأحزاب في التوافق، اقترح تشكيل حكومة تكنوقراط إلى حين تنظيم انتخابات جديدة في شهر ديسمبر. وهو ما أجبر الحزبين الأولين في إيطاليا اللذان يريدان ممارسة السلطة، على تلوين برنامجهما ليأخذ بعين الاعتبار التحذير الرئاسي. من ذلك أن تخليا عن المطالبة بالخروج من الإتحاد الأوروبي و من اليورو.
برنامج ملغم إيديولوجيا
الخطوة الأولى التي سمحت بالتوصل لاتفاق كانت أن تخلى ماتيو سلفيني عن حليفه في الائتلاف الانتخابي سلفيو برلوسكوني أمام فيتو حركة 5 نجوم. و توصل الثنائي السياسي إلى بلورة برنامج حكومي للخمس سنوات القادمة تمثل في خطوط عريضة أكدت مبادئ «قومية» لخصها سلفيني بقوله «الإيطاليون أولا» تناغما مع مقولة دونالد ترامب «أمريكا أولا».
أهم المبادئ التي تم الاتفاق حولها هي أولا الإصلاح الجبائي القاضي بإرساء ضريبة قدرهـــا 15 % على دخل الأفراد و 20 % على دخل الشركات مع منح العاطلين على العمل جراية قدرها 780 يورو شهريا و رفع سن التقاعد إلى 67 سنه عام 2019.
المبدأ الثاني تعلق بموضوع الهجرة. واتفق الطرفان على طرد كل الأجانب الموجودين على الأراضي الإيطالية بدون تأشيرة و غلق مراكز الإيواء للاجئين و منع البواخر التي تنقذ المهاجرين في البحر بدخول المواني الإيطالية. واتفق الطرفان على برنامج أشغال كبرى للبنية التحتية و على الآ تلتزم الحكومة بالقوانين الأوروبية المتعلقة بالمديونية العمومية وبالعجز في الميزانية.
و تم استفتاء المنخرطين في الحزبين في شأن البرنامج. و صرح حزب 5 نجوم أن 44 ألف مواطن شاركوا عبر الأنترنات و سجلت موافقة 96 % منهم على البرنامج في حين أعلنت رابطة الشمال أن 100 ألف مواطن وافقوا على البرنامج. وقدم الحزبان ذلك كأسلوب للديمقراطية المباشرة والتشاركية التي تقطع مع الممارسات التقليدية للأحزاب التاريخية .و أعلن سلفيني اثر ذلك عن التوصل إلى الاتفاق لتشكيل فريق حكومي يقدم للرئيس ماتاريلا امس الإثنين.
دور فاعل لرئيس الدولة
أعرب جل الملاحظين في إيطاليا وفي بروكسل أن رئيس الدولة سرجيو ماتاريلا أظهر إلى حد الآن حنكة سياسية فائقة كضامن للدستور في جعل الأحزاب الفائزة تلتزم باحترام مبادئ الدستور و الإتفاقات المبرمة مع أوروبا. وصرح القصر الرئاسي عن نية رئيس الدولة فرض الترتيبات التي نص عليها البند 92 من الدستور المتعلق بتعيين الحكومة و القاضي بتقبل الرئيس الإعلان عن التوصل إلى تشكيل أغلبية برلمانية أولا ثم ترشيح شخصية لرئاسة الحكومة. ولن يتفاوض الرئيس ماتاريلا في شأن تعيين الوزراء إلا مع رئيس الحكومة المعين طبقا لنص الدستور. و يكون المتحاور الوحيد معه. وهو ما يقصي مبدئيا زعماء الأحزاب من التفاوض المباشر بعد اتفاقهما على عدم قيادة الحكومة و تقديم شخصية «محايدة» لها.
حسب التسريبات الثابتة يتجه الحزبان إلى ترشيح أستاذ القانون جيوزيبي كونتي المعروف بمواقفه القومية المحافظة. لكنه لا يمتلك أي خبرة سياسية أو حكومية أو إدارية. و كان الرئيس ماتاريلا قد أكد على تفضيله شخصية لها خبرة في إدارة دواليب الدولة مع العلم أن حزبي رابطة الشمال و حركة 5 نجوم ليست لها خبرة حكومية وهي تصل إلى سدة الحكم لأول مرة في تاريخها. ونصح الأحزاب بترشيح شخصيات سياسية لها خبرة لوزارات الاقتصاد و الدفاع و الخارجية و سوف يكون التفاوض حادا في شأن هذه الشخصيات. لكن الرئيس ماتاريلا أكد أنه يرغب في شخصية قادرة على الوقوف في وجه إيمانويل ماكرون و أنجيلا ميركل و دونالد ترامب في قمة السبعة في شهر جوان القادم في كندا. أما باقي الوزراء فسوف يكون لهم شأن بعد تعيين الوزير الأول من قبل رئيس الدولة.
,مخاوف أوروبية و تحذير فرنسي
أول تعليق على الإتفاق الحاصل بين رابطة الشمال و حركة 5 نجوم جاء من وزير الإقتصاد الفرنسي برنو لومار الذي صرح في حوار تلفزيوني أن «على إيطاليا أن تحترم التزاماتها الأوروبية» مضيفا «إذا خاطرت الحكومة الجديدة بعدم احترام التزاماتها بالمديونية والعجز في الميزانية وكذلك دعم البنوك فان كل التوازن المالي لمنطقة اليورو يصبح في خطر». ورد عليه مباشرة ماتيو سلفيني زعيم رابطة الشمال منددا ب «اجتياح الميدان» و معتبرا مقولة الوزير الفرنسي «غير مقبولة». وأضاف «إننا طلبنا الإنتخاب والتزكية من أجل عدم المشي في طريق الفقر والحاجة والهجرة: الإيطاليون أولا».
لهجة زعيم الحزب اليميني المتطرف في تغريدة على شبكة تويتر تظهر مدى الجفاء بين المساندين لأوروبا و السياسيين الإيطاليين الجدد الذين وعدوا الناخبين ب «التحرر» من قيود بروكسل والعمل على إعادة التفاوض في شأن المعاهدات الأوروبية التي، حسب تقييمهم، أضعفت إيطاليا و جعلتها تتأخر اقتصاديا بحكم سياسات التقشف المفروضة من قبل بروكسل و برلين. لكن المؤسسات الأوروبية ليست الوحيدة التي تنظر بعين نقدية للخطوات الأولى للحكومة الإيطالية. هنالك المؤسسات البنكية العالمية و صندوق النقد الدولي ومؤسسات التقييم المالي التي يمكنها أن تقرر تقهقر الدولة الإيطالية في تقديراتها للحوكمة وتؤثر سلبا على طاقة التداين التي يراهن عليها الثنائي الحاكم والتي قدرت ب 100 مليار يورو. ولو طبقت الحكومة الجديدة،اعتمادا على برنامج الأحزاب، مقترح طلب إعفاء مالي بقدر 70 مليار يورو من قبل البنك المركزي الأوروبي، فذلك سوف يدخل العلاقات الإيطالية الأوروبية من الوهلة الأولى في أزمة لا يعرف أحد مدى تأثيرها على استقرار الإتحاد الأوروبي ووحدته.