العاصمة لندن كان من المتوقع أن يفوز بها حزب العمال الذي راهن على استرجاعها من حزب تريزا ماي. ولو أن العماليين سجلوا تقدما في عدد الناخبين ونجاحات في عدة مدن فإنهم لم يفلحوا في القضاء على سلطة المحافظين في نسيج البلديات البريطانية.
وكان ذلك جليا في العاصمة لندن التي يديرها حزب العمال دون سيطرته على كل البلديات فيها. المشاكل التي تعرضت لها الوزيرة الأولى تريزا ماي أخيرا والمتعلقة بإدارتها ملف «البريكست» والتراجعات المسجلة من قبل الحكومة في بعض المسائل رهن التفاوض مع بروكسل خلفت الانطباع لدى قادة الحزب العمالي بقيادة جرمي كوربن أن النجاح سوف يكون حليفهم خاصة بعد أن أخفقت تريزا ماي في الانتخابات التشريعية الأخيرة. لكن نجاحهم النسبي في هذه الانتخابات لم يقض على نفوذ المحافظين كما كان متوقعا.
النتائج المتعلقة ب 101 بلدية على 150 و التي تم الإعلان عنها أعطت تقدما للعماليين (52 مجلسا و1444 مقعدا) مقابل 31 مجلسا و 892 مقعدا بالنسبة للمحافظين و 4 مجالس و 327 للبراليين الديمقراطيين الذين رجعوا إلى إدارة بعض البلديات بعد غياب طويل. هذه الأرقام تدل على تغيير مفاجئ في التوازنات بين مختلف التنظيمات السياسية المشاركة في الإنتخابات.
تقهقر حزب «يوكيب» المتطرف
المشهد البلدي الجديد لا يشبه ما كانت عليه موازين القوى خلال الاستفتاء على أوروبا و الانتخابات التشريعية الأخيرة. فقد سجل حزب «يوكيب» المتطرف، الذي ساهم بقسط واسع في خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، تقهقرا ملحوظا بحصوله على 3 مقاعد فقط بدون أن يفوز بأي بلدية. وهو، في حقيقة الأمر، انسحاب يكاد يكون مطلقا من المشهد السياسي.
هذا الانسحاب مرده أن الناخبين البريطانيين فضلوا، أمام عقم مقترحات حزب «يوكيب» وخوفا من تبعات الـ«بريكست»، الالتحاق بحزب المحافظين والتصويت لفائدة مرشحيهم. هذا ما ساعد حزب تريزا ماي على الإبقاء على معاقلها التقليدية و تعزيز مواقفها في بلديات أخرى. وهو ما سوف يخلف انفراجا داخليا يساعدها على الصمود أمام منافسيها ومنتقديها في الحزب في المفاوضات القادمة مع بروكسل.
فشل آخر لجيمي كوربن
بالرغم من تقدمه في الانتخابات لم يستطع الحزب العمالي البريطاني بقيادة جرمي كوربن أن يظهر في ثوب الفائز. بل أكدت الصحافة البريطانية على نجاح تريزا ماي في...عدم الإخفاق أمام تغول العماليين المنتظر. وذلك يرجع حسب الملاحظين إلى شخصية زعيم اليسار البريطاني المشاكسة والتي لم تنجح في إرساء صورة الزعيم القادر على تولي شؤون الدولة، بل كرست صورة المعارض الشرس لا غير.
من ناحية أخرى ، خسر الحزب العمالي في عديد البلديات التي سكنها اليهود أصوات كثيرة من جراء الفضيحة التي اندلعت مؤخرا في بريطانيا حول التصريحات اللاسامية لعمدة لندن الأسبق كان ليفينغستون الذي اعتبر هيتلر صهيونيا مما أغضب الجالية اليهودية البريطانية. ولو على صغر حجمها فإن الجالية اليهودية لها تأثير عميق، عبر اللوبيات المتواجدة في المؤسسات الإعلامية ، في الأحياء اليهودية للمدن الكبرى في بريطانيا وفي الرأي العام ككل. وهو ما يفسر نجاح المحافظين ، على حساب العماليين، في الأحياء اليهودية في العاصمة وخارجها. مما عزز موقف تريزا ماي التي سوف تستأنف قبل 15 جوان المفاوضات في المسائل العالقة مع بروكسل في أجواء داخلية تعمل لصالحها. ولن تتأثر في الأسابيع المقبلة بإعلان زعيم المعارضة جرمي كوربن بأنه جاهز لخوض الانتخابات التشريعية من أجل الفوز فيها. واعتبر المسؤولون في الحكومة وفي حزب المحافظين أن تصريحات كوربن تخص معارضيه داخل الحزب الذين يرغبون في خلافته بعد هزيمته في التشريعية وعدم قدرته على تسجيل فوز ساحق كان منتظرا في الانتخابات المحلية.